اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 138
لا سابغات ولا جأواء باسلة * تقي المنون لدى استيفاء آجال
أول مرة ضحكتُ منه كثيرا، فإنه أخذ قوله: "جأواء باسلة" من قول بلعاء بن قيس الكناني:
وفارس في غمار الموت منغمس * إذا تألى على مكروهة صدقا
غشيتُه وهو في جأواء باسلة * عضبا أصاب سواء الرأس فانفلقا
بضربة لم تكن مني مخالسة * ولا تعجلتها جبنا ولا فرقا
فأخذه ابن مالك -رحمه الله- ووضعه في موضع لا يحسُن فيه، لأن الذي جرت به العادة في كلام الناس أن يقولوا: لا يمنع الموتَ أحراسٌ ولا يردُّه جيوش، من غير تفصيل في وصف هذه الجيوش والكتائب، أما أن تقول: لا يمنع الموتَ عنك كتيبة جأواء باسلة، فهذا قبيح جدا، يُبصره من له طبع سليم.
وإنما حسُن في كلام بلعاء لأنه أراد أن يصف فضل شجاعته وتورُّده إلى قرنه وانغلاله إليه وهو في هذه الكتيبة الجأواء الباسلة حتى ضربه بسيفه ضربة أصاب بها سواء رأسه أي وسطه غير مختلس في ضربته ولا متعجِّل، فما أحسن موقعها في شعره وما أقبحها في بيت ابن مالك!
ثم انظر أيضا إلى موضعها من البيت، فإنك تجدها في بيت بلعاء في آخر الصدر منه:
غشيته وهو في جأواء باسلة
وكذلك هي في بيت ابن مالك:
لا سابغات ولا جأواء باسلة
ثم انظر -أيضا- إلى البحر تجد البيتين من البسيط.
ثم انظر إلى ألفاظ بلعاء وقُربها من الغريب: غشَّيتُه، عضبا، سَواء الرأس، فانفلقا، فما أحسن أن تأتي بينها لفظة (جأواء)!
وانظر إلى قول ابن مالك:
تقي المنون لدى استيفاء آجال
وضع الجأواء بجواره، ما أبعد نَجر هذه من هذه!
فلا ريب أن ابن مالك كان ينظر إلى بيت بلعاء، فبنى عليه ولم يُحسن البناء، وبيت بلعاء مشهور، وهو في ديوان الحماسة.
وقد ذكرني هذا بقول أبي تمام:
لقد طلعت في وجه مصر بوجهه * بلا طائرٍ سعدٍ ولا طائر كَهْلِ
فإنه أخذه من قول أبي خراش الهذلي:
ولو كان سلمى جارَه أو أجاره * رياحُ بنُ سَعدٍ ردَّه طائرٌ كَهْلُ
.
قال الآمدي: "وقوله:
لقد طلعت في وجه مصر بوجهه * بلا طائرٍ سعدٍ ولا طائر كهل
وإنما سمع قول بعض الهذليين:
فلو كان سلمى جاره أو أجاره * رياح بن سعدٍ رده طائرٌ كهل
ووجدت في تفسير أشعار هذيل أن الأصمعي لم يعرف قوله: (طائر كهل)، وقال بعضهم: كهل ضخم، وما أظن أحداً قال: (طائر كهل) غير هذا الهذلي، فاستغرب أبو تمام معنى الكلمة فأتى بها، وأحب أن لا تفوته."
قلت: وانظر أيضا إلى موضعهما في بيتي أبي تمام والهذلي، فإنهما في آخر البيت، كما تشابه الموضعان في بيتي ابن مالك وبلعاء، وانظر إلى البحر تجدهما من الطويل، كما اتفق بيتا بلعاء وابن مالك في البحر.
ولو أردنا أن نتتبع أمثال هذه في شعر الشعراء لبقينا نكتبه زمنا طويلا.
ـ[صالح العَمْري]ــــــــ[27 - 04 - 2014, 07:35 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ومما يشبه هذا أيضا قول ابن مالك رحمه الله:
لا تركنن إلى الأمر الذي ركنت * أبناء يعصر لما اضطرَّها القَدَرُ
فإن ابن مالك -رحمه الله- نظر فيه إلى قول جرير في هجاء عمر بن لجأ التيمي:
خلِّ الطريقَ لمن يبني المنار به * وابرز ببَرزةَ حيث اضطرَّك القَدَرُ
وفي هذا عدة أمور تقطع بلمح ابن مالك لبيت لجرير:
1 - تشابه الجملتين.
2 - وقوعهما في موضع واحد وهو آخر البيت.
3 - البيتان من بحر واحد وهو البسيط.
وهذه الثلاثة كلها رأيناها من قبل في البيت الذي اطَّلَعَ فيه إلى بيت بَلعاء.
4 - اتفاق الروي وهو الراء المضمومة.
5 - اتحاد القافية وهي من المتراكب.
ومن العجيب أن العيني نسب هذا البيت وبيتا آخر وهو قول ابن مالك:
إن تُعنَ نفسُك بالأمر الذي عُنيت * نفوس قوم سموا تظفر بما ظفروا
إلى كعب بن زهير رضي الله عنه، ولعمري إنها لنسبة باطلة.
ويدل على بطلانها أمور منها:
1 - أن ابن مالك نفسه نسب هذا البيت الذي أوله "إن تُعنَ" إلى بعض الطائيين، وهذا الرجل الطائي هو ابن مالك نفسُه، ومعلوم أن كعب بن زهير -رضي الله عنه- ليس طائيا فيقال: لعله يعني بالرجل الطائي كعبا، وإنما هو مزني، وشتان ما هذا وذاك، مزينة من عدنان وطيئ من قحطان.
2 - أن البيتين ليسا في ديوان كعب بن زهير برواية السكري، وهذا تتبعته بنفسي، بل ليس في ديوانه شيء على هذا البحر والقافية والروي إلا ثلاثة أبيات سنتكلم عنها، وقد ذكر محققو كتب ابن مالك أيضا أنهم لم يجدوا البيتين في ديوان كعب.
¥
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 138