اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 103
الأهمية المعنوية في القرآن الكريم
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[28 - 04 - 2014, 01:33 م]ـ
الأهمية المعنوية في القرآن الكريم
القرآن الكريم كله يقوم على الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي لا على النحو الفلسفي "فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين ولم ينزل بنحو عربي متين" (1) وهذه المشاركة تدل على ذلك.
توبة الله على النبي والمهاجرين والأنصار
قال تعالى:"لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغُ قلوبُ فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم*صدق الله العظيم.
في هذه الاّية عدة أمور يمكن مناقشتها:-
أولها: قوله تعالى"لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار" يترتب من الخاص إلى العام بالأهمية المعنوية والفضل والشرف، حيث بدأ بالنبي الكريم ثم بالمهاجرين ثم بالأنصار، وما يؤيد تقديم المهاجرين على الأنصار بالأهمية المعنوية والفضل والشرف قوله تعالى" والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار" وبهذه الآية الكريمة احتج الصدِّيق - رضي الله عنه - يوم السقيفة، وقوله - صلى الله عليه وسلم-"لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار.
2 - ثانيها: قوله تعالى"من بعد ما كاد يزيغُ قلوبُ فريق منهم "يتعارض مع القاعدة النحوية التي تنص على التالي: إذا تأخر الاسم الظاهر (اسم كاد) عن أن والفعل المضارع فإنَّ كاد تكون فعلا تاما، كقوله تعالى" من بعد ما كاد يزيغُ قلوبُ فريق منهم"،والأصل فيه"من بعد ما كاد قلوبُ فريق منهم يزيغُ"،وفي هذه الحالة يكون فاعل (كاد) المصدر المؤول من أن والفعل المضارع، إلا أن هذه القاعدة لا تنطبق على هذه الاّية من ناحيتين:
1 - لا يوجد فاعل للفعل كاد، حيث لا يوجد مصدر مؤول.
2 - دخول الفعل على الفعل، والقاعدة تقول: لا يدخل فعل على فعل.
وهذا يعني أن المعنى أهم من القاعدة، لأن الاّية القراّنية قدمت الفعل (يزيغ) بسبب الحاجة وقوة العلاقة المعنوية مع الفعل (كاد) للدلالة على قرب وقوع الزيغ، ومما يؤيد تقديم الفعل "يزيغ" للهدف المعنوي هو تجرد الفعل (يزيغ) من (أن) لأن دلالتها مستقبلية بعيدة، وهذا يتنافى مع المعنى الذي تريده الاّية وهو معنى القرب الشديد للزيغ، مما أدى إلى حذف" أن" من أجل أن يتصل الفعل مع الفعل، لإفادة هذا المعنى. كما أن بقاء الفعل (يزيغ) متأخرا يثير اللبس، لاحظ كيف تؤول الجملة مع التأخير"من بعد ما كاد قلوب فريق منهم يزيغ) مما يعني أن الفريق هو الذي يزيغ وليست القلوب، كما أن التعبير يصبح قلقا وغير متاّلف، مما أدى إلى العدول عن الأصل للهدف المعنوي وأمن اللبس.
ثالثها: في قوله تعالى في نهاية الاّية"إنه بهم رؤوف رحيم" احتياج معنوي بين الفاصلة القراّنية ومحتوى الآية الذي يتحدث عن الرضا والتوبة.
وهذا كله يدل على أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي، وأن الإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس، ولا يتحدث تحت رعاية القواعد الفلسفية، ومن أراد المزيد فعليه بكتاب: دراسات لأسلوب القرآن الكريم للدكتور: محمد عبد الخالق عضيمة، فسيرى العجب العجاب، لأن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين ولم ينزل بنحو عربي متين.
===================================
(1) د. تمام حسان -البيان في روائع القرآن ص 283
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 103