ندع أبناءنا -يعنون لا ندعهم يعتنقون اليهودية- فأنزل الله -عز وجل- هذه الآية: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: 256).
فرغم أن محاولات الإكراه كانت من آباء يريدون حماية أبنائهم من التبعية لأعدائهم المحاربين الذين يخالفونهم في دينهم وقوميتهم، ورغم الظروف الخاصة التي دخل بها الأبناء دين اليهودية وهم صغار، ورغم ما كان يسود العالم كله حينذاك من موجات التعب والاضطهاد للمخالفين في المذهب؛ فضلًا عن الدين كما كان في مذهب الدولة الرومانية التي خيرت رعاياها حينًا بين التنصر والقتل؛ فلما تبنت المذهب الملكاني؛ أقامت المذابح لكل من لا يدين به من المسيحيين من اليعاقبة وغيرهم، رغم كل هذا رفض القرآن الإكراه؛ بل من هداه الله وشرح صدره ونوّر بصيرته دخل فيه على بينة؛ ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهًا مقسورًا -كما قال ابن كثير.
فالإيمان عند المسلمين ليس مجرد كلمة تلفظ باللسان أو طقوس تؤدى بالأبدان؛ بل أساسه إقرار القلب وإذعانه وتسليمه؛ ولهذا لم يعرف التاريخ شعبًا مسلمًا حاول إجبار أهل الذمة على الإسلام؛ كما أقر بذلك المؤرخون الغربيون أنفسهم.
وكذلك صان الإسلام لغير المسلمين معابدهم وراعى حرمة شعائرهم؛ بل جعل القرآن من أسباب الإذن في القتال: حماية حرية العبادة، وذلك في قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحج: 39، 40).