وفي عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهل نجران: أنه لا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر؛ ولهذا كله اشتدت عناية المسلمين منذ عهد الخلفاء الراشدين بدفع الظلم عن أهل الذمة وكف الأذى عنهم، والتحقيق في كل شكوى تأتي من قِبَلهم.
كان عمر -رضي الله عنه- يسأل الوافدين عليه من الأقاليم عن حال أهل الذمة، خشية أن يكون أحد من المسلمين قد أفضى إليهم بأذى؛ فيقولون له: ما نعلم إلا وفاء -أي بمقتضى العهد والعقد الذي بينهم وبين المسلمين- وهذا يقتضي أن كلًّا من الطرفين وفّى بما عليه، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول: "إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا".
- حق التدين:
ويحمي الإسلام فيما يحميه من حقوق أهل الذمة: حق الحرية، وأول هذه الحريات: حرية الاعتقاد والتعبد؛ فلكل ذي دين دينه ومذهبه، لا يُجبر على تركه إلى غيره، ولا يُضغط عليه أي ضغط ليتحول منه إلى الإسلام، وأساس هذا الحق: قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (البقرة: 256) وقوله سبحانه: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس: 99) قال ابن كثير في تفسير الآية الأولى: أي لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام؛ فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا تحتاج إلى أن يُكره أحد على الدخول فيه.
وسبب نزول الآية كما ذكر المفسرون يبين لنا جانبًا من إعجاز هذا الدين: فقد رووا عن ابن عباس قال: كانت امرأة تكون مقلاة -أي قليلة النسل- فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، كان يفعل ذلك نساء الأنصار في الجاهلية؛ فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار؛ فقال آباؤهم: لا