يقصدونه؛ وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح؛ ونموت دون ذلك؛ صونًا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة، وحكى في ذلك إجماع الأمة، وعلق على ذلك القرافي بقوله: فعقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال صونًا لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم.
ومن المواقف التطبيقية لهذا المبدأ الإسلامي: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية حينما تغلب التتار على الشام، وذهب الشيخ ليكلم قطلو شاه في إطلاق الأسرى؛ فسمح القائد التتري للشيخ بإطلاق أسرى المسلمين، وأبى أن يسمح له بإطلاق أهل الذمة؛ فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال: لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسارى من اليهود والنصارى؛ فهم أهل ذمتنا ولا ندع أسيرًا لا من أهل الذمة ولا من أهل الملة؛ فلما رأى إصراره وتشدده أطلقهم له.
ب - الحماية من الظلم الداخلي:
وأما الحماية من الظلم الداخلي؛ فهو أمر يوجبه الإسلام ويشدد في وجوبه، ويحذر المسلمين أن يمدوا أيديهم أو ألسنتهم إلى أهل الذمة بأذى أو عدوان؛ فالله تعالى لا يحب الظالمين ولا يهديهم؛ بل يعاجلهم بعذابه في الدنيا أو يؤخر لهم العقاب مضاعفًا في الآخرة.
وقد تكاثرت الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الظلم وتقبيحه وبيان آثاره الوخيمة في الآخرة والأولى، وجاءت أحاديث خاصة تحذر من ظلم غير المسلمين من أهل العهد والذمة؛ يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((من ظلم معاهدًا، أو انتقصه حقًّا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة))، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((من آذى ذميًّا؛ فأنا خصمه؛ ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة)) وقال أيضًا: ((من آذى ذميًّا فقد آذاني؛ ومن آذاني فقد آذى الله)).