اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 166
(3) إنّ الأصل فى كلّ ما يحدث فى العالم أن يكون جاريا على نظام الأسباب والمسببات، وسنن الله التى دلّ عليها العلم، وأخبرنا الوحى بأنه لا تغيير فيها ولا تبديل لها ولا تحويل، فكلّ خبر عن حادث يقع مخالفا لهذا النظام والسنن فالأصل فيه أن يكون كذبا اختلقه المخبر الذى ادعى شهوده، أو خدع به ولبس عليه فيه، فإن كان قد وقع فلا بد أن يكون له سبب من الأسباب الخفية التى يجهلها المخبر، كما حقّقه علماء الأصول فى بحث الخبر وما يقطع بكذبه منه.
(4) إن آيات الله التى تجرى على غير سننه الحكيمة فى خلقه لا يثبت العلم بها إلا بدليل قطعى. وقد كان من حكمته أن أيّد بعض النبيين المرسلين بشيء منها لإقامة حجتهم وتخويف المعاندين لهم، وقد انقطعت هذه الآيات ببعثة خاتمهم محمّد صلّى الله عليه وسلّم وسبب ذلك أو حكمته ختم النبوّة برسالته .. وجعل ما أوحاه إليه آية دائمة، وهداية عامة لجميع البشر مدة بقائهم فى هذه الدنيا، وأنزل عليه: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: 107]، لعلمه تعالى بأنهم لا يحتاجون بعد الوحى إلى وحى آخر، ولا إلى آية على أنه من عند الله تعالى إلا هذا القرآن نفسه، وهذا الكتاب فى جملته وتفصيله مشتمل على كثير من الدلائل العقلية العلمية على كونه من عنده، كما فصلنا من قبل، ونزيده بيانا فيما بعد.
وقد ادّعى الباب والبهاء والقاديانى الوحى فى القرنين الأخيرين فجاءوا بأسخف ما عزا إلى مسيلمة الكذاب، وسأورد نماذج من وحيهم الشيطانى فى الجزء الثانى من هذا الكتاب مما فيه عبرة لأولى الألباب.
ختم النبوة وانقطاع الخوارق بها ومعنى الكرامات
(5) لو كان للبشر حاجة بعد القرآن ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم إلى الآيات كما يدّعى المفتونون بالكرامات ومخترعو الأديان والنّحل الجديدة لما كان ختم النبوّة، وقد بلغ من غلو مارقة الصوفية الروحانية أن امتروا فى ختم النبوّة [1]، فانكروه أو تألوه لا دعائهم نوعا منها، ومنهم من ابتدع اسما أو وصفا للنبوّة التى ادعوها وهو النبوّة الظلية وفتن بفتنتهم البابية والبهائية، حتى عبدوا الباب والبهاء إذا ادعيا الألوهية، وفتن بها (غلام أحمد القاديانى) فادعى النبوّة والمسيحية له ولخلفائه بلا انقطاع، حتى سامها المرتزقة منهم والرعاع. [1] حكى عن ابن سبعين- لعنه الله- قال: قد تحجر ابن آمنة واسعا بقوله: «لا نبى بعدى».
اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 166