اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 167
وقد بين شيخنا الأستاذ الإمام فى رسالة التوحيد كيف ارتقى التشريع الدينىّ فى الأمم بارتقاء نوع الإنسان فى الإدراك والعقل كارتقاء الأفراد من طفولة إلى شباب إلى كهولة حتى بلغ فيها رشده واستوى، وصار يدرك بعقله هذه الهداية العقلية العليا (هداية القرآن) بعد أن كان لا سبيل إلى إذعانه لتعليم الوحى، إلا ما يدهش حسه ويعى عقله من آيات الكون (يعنى أنه بلغ هذا الرشد فى جملته واستعداد كثير من أفراده لا كلهم ولا أكثرهم).
بين فى الكلام على وجه الحاجة إلى الرسالة أن سموّ عقل الإنسان وسلطانه على قوى الكون الأعظم بما هى مسخرة له تنافى خضوعه واستكانته لشىء منها. إلا ما عجز عن إدراك سببه وعلته، واعتقد أنه من قبل السلطان الغيبى الأعلى لمدبر الكون ومسخر الأسباب فيه. فكان من رحمة الله تعالى به «أنه أتاه من أضعف الجهات فيه وهى جهة الخضوع والاستكانة فأقام له من بين أفراده مرشدين هادين، وميزهم من بينها بخصائص فى أنفسهم لا يشركهم فيها سواهم، وأيد ذلك زيادة فى الإقناع بآيات باهرات تملك النفوس، وتأخذ الطريق على سوابق العقول، فيستخذى الطامح، ويذل الجامع، ويصدم بها عقل العاقل فيرجع إلى رشده، وينبهر لها بصر الجاهل فيرتد عن غيه».
ثم قال فى رسالة محمّد صلّى الله عليه وسلّم: نبى صدق الأنبياء ولكنه لم يأت فى الإقناع برسالته بما يلهى الأبصار، أو يحير الحواس، أو يدهش المشاعر، ولكن طالب كل قوة بالعمل فيما أعدت له واختص العقل بالخطاب، وحاكم إليه الخطأ والصواب وجعل فى قوة الكلام، وسلطان البلاغة، وصحة الدليل. مبلغ الحجة وآية الحق الذى لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42].
لا يمكن إثبات معجزات الأنبياء إلا بالقرآن
(6) إنه لا يمكن إثبات معجزات الأنبياء فى هذا العصر بحجّة لا يمكن لمن عقلها ردها إلا هذا القرآن العظيم، وما ثبت فيه بالنص الصريح منها، أقول هذا اتجاه إنكار العلماء الواقفين على كتب الأديان التى قبل الإسلام- حتى كتب اليهود والنصارى- وعلى تواريخها لتواتر ما ذكر فيها من الآيات واشتباههم فى كونها خوارق حقيقية، وفى كون الخوارق تدل على نبوتهم، وحجتهم على الأول: أنّ التواتر الذى يفيد العلم القطعى غير متحقق فى نقل شىء منها، وهو نقل الجمع الكثير الذى يؤمن تواطؤهم على الكذب لخبر أدركوه بالحس وحمله عنهم مثلهم قرنا بعد قرن، وجيلا بعد جيل بدون انقطاع، وإنما يكون
اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 167