اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 165
يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188]، وقال تعالى: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً [الجن: 21]، وقد فصلنا هذه المسألة مرارا.
ونلخص الموضوع هنا فى المسائل الآتية: [1] أن الله تعالى قد أتقن كل شىء خلقه فجعله بإحكام ونظام لا تفاوت فيه، ولا اختلال، وسنن مطردة ربط فيها الأسباب بالمسببات، فمخلوقاته العليا والسفلى. هى مظهر أسمائه الحسنى وصفاته العلى، ولهذا قال حجة الإسلام الغزالى: ليس فى الإمكان أبدع مما كان، وهذا النظام المطرد فى الأكوان، والثابت بالحس والعقل ونصوص القرآن- هو البرهان الأعظم على وحدانية خالق السموات والأرض: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: 22].
(2) إن سنن الله تعالى فى إبداع خلقه ونظام الحركة والسكون والتحليل والتركيب فيه لا يحيط بها علما غيره عزّ وجلّ، وكلما ازداد البشر فيها نظرا وتفكرا واختيارا وتدبرا وتجربة وتصرفا، ظهر لهم من أسرارها وعجائبها ما لم يكونوا يعلمون ولا يظنون، ومن منافعها ما لم يكونوا يتخيلون ولا يتوهمون.
وها نحن أولاء نرى مراكبهم الهوائية من تجارية وحربية تحلّق فى الجو، حتى تكاد تبلغ محيط الهواء، وبعض مراكبهم البحرية تغوص فى لجج البحار، ونراهم يتخاطبون من مختلف الأقطار، كما نطق الوحى بتخاطب أهل الجنة مع أهل النار، فيسمع أهل المشرق أصوات أهل المغرب، وأهل الجنوب حديث أهل الشمال وخطبهم وأغانيهم، قبل أن يسمعها بعض أهل البلد أو المكان الذى يصدر عنه الكلام [1]، وقد يغمز أحدهم زرا كهربائيا فى قارة أوروبا فتتحرك بغمزته آلات عظيمة فى قارة أخرى فى طرفة عين، وبينهما المهامة الفيح، والجبال الشاهقة، ومن دونهما البحار الواسعة، والجاهلون بهذه السنن الإلهية، والفنون العملية، لا يزالون يلجئون فى طلب المنافع ودفع المضار من غير طريق الأسباب- التى ضيّق الجهل عليهم سبلها- إلى قبور الموتى من الصالحين المعروفين والمجهولين، ليقضوا لهم حاجاتهم، ويشفوا مرضاهم، ويعينوهم على أعدائهم، بل ينتقموا لهم من أصدقائهم الذين عادوهم بغيا وفسادا. من زوج وقريب وجار ووطنى، وأعداؤهم فى دينهم ووطنهم من الأجانب قد سادوا حكومتهم، واستذلّوا أمّتهم، واستأثروا بجل ثروتهم، ولا يتصرف فيهم هؤلاء الأولياء بما يدفع عن المسلمين ضررهم وإذلالهم!!. [1] روى لنا أن آلة المذياع (الراديو) الناقلة للأصوات من أوروبا يصل الكلام الذى تحمله إلى مصر وغيرها فتعكسه الآلات التى فيها ويسمعه أهلها قبل أن يسمعه من فى الصفوف الخلفية من المكان الذى ألقى فيه.
اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 165