اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 249
- والله ... أضرب الاستعمار بالرأس .. ضربة ...
ولا شك أن رأس هذا الثور قد يكون عندما يهوي على خصم، مثل مطرقة الحداد الكبرى، ولكن أتكفي في القضية ضربة رأس؟ ويا أسفاه كان لهذا الحدث البسيط أثر سيئ في فكري بالنسبة إلى مستقبل الحركة (الوطنية) في بلادنا، إذ قدرت أنها ستحل معظم المشكلات على هذا النمط؛ وقد ازددت تشاؤماً تلك الليلة عندما- رأيت (الزعيم)، بعد أن أنهى خطابه، ينزوي مع الرجل العملاق إلى جانبه على شرفة تطل على أخشاب المسرح، وقد غير هيئته، فلبس نوعاً أنيقاً من العباءات المسمى (قشابية) وحذاءً أبيض من نوع (البلغة) وتطربش الطربوش الأحمر، وأشرف في هذه الهيئة يطل على الحاضرين، بدلاً من أن يجلس بينهم؛ فرأيته تلك اللحظة وقد جعل لنفسه منصة يظهر عليها للعباد، ترفعه عليهم وتعزله عنهم.
واستمرت الحفلة في فصولها، ولكن كلما وقع بصري على الشرفة شعرت بحرجح وربما وقع تلك الليلة في أعماق لا شعوري التمزق الأول بيني وبين الحزب الوطني، مع ما سيبقى بيني وبينه من صلات عذبة أحياناً ومُرّة أخرى.
كان (شكيب أرسلان) في هذه الفترة لاجئاً في جنيف، فقد كان يواصل صراعه البطولي دون أن يكل أو يمل، ويصدر مع رفيق محنة من مصر جريدة (الأمة العربية)، فتصل بعض أعدادها إلى الجزائر حيث قرأتها، وقد كانت تصل أيضاً إلى الحي اللاتيني فنقرؤها في جمعيتنا. وإذا بوجه جديد يظهر في هذه الجمعية.
هكذا تعرفت على (فريد زين الدين) الذي شغل منصب نائب وزير خارجية الجمهورية العربية المتحدة زمن الوحدة، بين سوريا ومصر، وكان حينذاك الطالب النجيب الذي يعد دكتوراه في الحقوق، ويستعد للعودة إلى
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 249