اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 227
وبطبيعة الحال كانت الإدارة الاستعمارية بالمرصاد، تعمل على إخفاق المشروع، وتسخّر من أجل ذلك الانفصاليين من الطلبة الجزائريين المتمسكين بالبربرية، وبعضهم تمسكوا بمسيحية جوفاء انقادوا إليها بغية الدنيا بدوافع انتهازية صرفة، فكانت على الصعيد الطلابي تدور المعركة بين (الوحدويين) والمنشقين، الذين كانوا في أغلبهم من الجزائريين المنضمين لوحدة إقليمية جرائرية تضم أيضاً أبناء مستعمِري الجزائر.
كان عل رأس المنشقين (عمار نارون) الذي يعمل بإيعاز الإدارة، تحت إشراف رئيس المجلس البلدي لمدينة باريس (المسيو كولين)، وكان على اتصال بالأوساط الاستعمارية العليا المستعدة لتحقيق رغبات أي منشق، وكان صدر أكثر من طالب جزائري يجيش بالرغبات ...
هذه صورة وجيزة للصراع المحتدم في الحي اللاتيني بين الطرفين في تلك الفترة، عندما وضعت فيه أقدامي واتخذت في المعركة موقفاً ضد الانفصاليين، دون أن يخطر ببالي أن لموقفي هذا أي صلة بوضع أبي موظفاً صغيراً بالجزائر.
لم يكن عدد الطلبة الجزائريين في الحي اللاتيني كبيراً، إذ لم يصل بعد إلى باريس الجيل الذي منه أصدقائي (بن الساعي وعلي بن أحمد وبن شيكو وعمر عياش)، فلم يتبعني في الحلبة إلا طالب الحقوق (بن عبد الله)، بدافع الولاء والصداقة أكثر من الدافع الفكري أو السياسي.
أعلنت انضمامي ولكنني أخفيت شيئاً مقرراً في نفسي، هو أنني عندما تنتصر فكرة الوحدة سأكون حلقة الوسط بينها وبين (وحدة الشبان المسيحيين الباريسيين) ليتلقى فيها بنو قومي دروساً في أمور ربما عجزت حينذاك عن تسميتها، وإنما أسميتها اليوم دروساً في الفعالية وفي الأسلوب أو بكلمة واحدة: (في الحضارة).
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 227