اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 228
تلك كانت رغبتي في تلك الفترة، ولكن لم تسعفني الظروف على تحقيقها، إذ لم يتبعني في المغامرة على تلك الضفة المسيحية إلا (محمد بن الساعي وهادي نويرة) الوزير الحالي للمالية بتونس، وقد اتبعاني فيما بعد بخطوات مترددة.
لا أدري إن لاحظت- ولكن كان بإمكاني أن ألاحظ من هذه المناسبة- أن النخبة الإسلامية قد استولى عليها حب الظهور في المراتب السياسية، فقد أهملت المشكلات الرئيسية التي يواجهها العالم الإسلامي اليوم، بينما لو كان لهذه النخبة نصيب من الإدراك والنزاهة والتواضع لحلت تلك المشكلات منذ ثلاثين سنة. ولكن القوم كانوا يتصارعون على أن يصبحوا (زعماء) و (أبطال) المعارك الانتخابية، فسلكوا بشعوبهم ملتويات السياسة ومنعرجاتها بدعوى أنهم يختصرون الطريق، في حين أنهم زادوا في طولها.
إنني اليوم أرى هذا بكل وضوح، أما في تلك الفترة البعيدة فكان حسبي أن أدعو فقط. فدعوت في الحي اللاتيني للإصلاح والوهابية والوحدة الغربية أي للشعارات المختلفة التي كانت تغطي معنى واحداً (الإسلام).
وكان صدى تلك الدعوة يصل إلى جمهورية (تريفيز)، فلم يتخلف (مرسولين) - الذي كان بوازع عرقه النرماندي لا يقعد حتى يُصيّر كل فكرة عملاً- عن اتخاذ التدابير لإنشاء مجلة شهرية توزع على الوحدويين بالحي اللاتيني وعلى أصدقاء جمهورية (تريفيز)، ولم تكن السيدة (دوفرانليو) الأم المربية لمرسولين لتتخلف بدورها عن تأييد كل مشروع خيري، فقدمت المساعدة المالية للمجلة فظهر عدد منها بتقديم مني، وزع حتى في الجرائر.
وبدأت باريس تعد عدتها وتجمل وجهها لاستقبال زوار معرض المستعمرات، الذي أقيم بباب (فنسين)، إشادة بالعهد الاستعماري وبلوغه الأوج، وامتد للقطار الجوفي خط جديد فُتح بابه- البابا المذهب- استعداداً ليوم التدشين.
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 228