responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي    الجزء : 1  صفحة : 221
لقد أصبح هذا السؤال يتردد في نفسي، بصورة أعنف من تلك التي عرفتها في المدرسة بقسنطينة وفي السنوات التالية، عندما كنت أردد:
- ماذا أفعل؟
فهذه صورة الأب (مورو) على كتبه أمامي لو اتخذتها مقياساً أقيس به درجة ذكائي بالنسبة إلى ذكائه، إذ أنه في نظري الدرجة المثلى. فأوازن اتساع جبيني حسبما أراه على ظل رأسي كما تعكسه أشعة النور الكهربائي على جدار الغرفة، مع اتساع جبين الفلكي الشهير كما أراه في الصورة، فيكون بعد ذلك جوابي على سؤال (هل أنا ذكي) حسب ظروف اليوم، وحسب المقدار الذي هضمته من الجبر والميكانيك والمثلثات.
أما في المدرسة فلقد أصبح صندوقي للجهاز التطبيقي، صندوق الأحلام. كنت إذا فتحته على المنضدة وتناولت منه أدوات العمل لألحم خيوط السلك أو أقطعها أو أمدها حسب زوايا معينة، كنت أعمل هذه الأعمال وأنا أشعر بنشوة الطفل البريء الذي وضع في يده جهاز لعب جديد أكثر تعقيداً من ذي قبل.
لم تكن تلك الساعات في الورشة مجرد لعب، بل كانت ممتلئة بشعور الوارد على دين جديد، يقوم بطقوسه في معبد هذه الحضارة الآلية التكنية. ولم تكن أيضاً تخلو من ملاحظات وبواكر تفكير اجتماعي بدأت تخامر عقلي. فبينما تلك الأدوات البسيطة في يدي أشعر بأنها ليست لمجرد اللعب، بل هي دلائل على مقدار تطور المجتمع، لأن المجتمع البدائي آلته اليد والإصبع.
يقال أحياناً عن الشعب الفرنسي إنه ذو دعابة، هوايته ترقيع الأشياء أو صنعها بنفسه، بما لديه من وسائل في بيته؛ والواقع أن الفرنسي، ما إن يخرج من مكتبه أو مصرفه حتى يصير في بيته نجاراً وحداداً وكهربائياً ومصلح أقفال ومفاتيح، فتراه يدق أو يخرم ثقباً في حائط. فلعله بذلك يصنع شيئاً بكلفة أكثر

اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي    الجزء : 1  صفحة : 221
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست