اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 222
من ثمنه لو اشتراه جديداً، أو كلف به صاحب المهنة، ولكنه يبرهن بذلك على أنه رجل الحضارة التكنية التي تحلل الذرة وترسل الصواريخ. ولا ريب أن الأطفال ينشؤون في هذا الاتجاه منذ صغرهم، إذ الهدية الأولى التي تقدمها لهم الأسرة لعب (الميكانو).
يقابل ذلك أنه في الجزائر على سبيل المثال وفي الفترة التي نتحدث عنها، لا يجد رجل الريف في بيته إذا أراد إصلاح آلة محراثه للحرث، مطرقة ولا مسماراً ولا قطعة سلك، بينما يتسلى رجل الحاضرة بلعب (الدومينو) والأوراق.
لم أكن في تلك الفترة لأقف كثيراً عند هذه الملاحظات العابرة، وإنما كنت أتناول بكل اغتباط تلك الأدوات التي صنعتها الحضارة التي استخدمت النار والحديد، وأتذوق أثناء عملي كل ما في اللحظة من عذوبة بسيطة.
أما (الوحدة) فلأنها كانت تغذي في نفسي الجانب الروحي، وتعرض على فكري اهتمامات وموضوعات أخرى: كنت في جوها الخاص أعقد الصلة تلقائياً بين القيم الاجتماعية والتكنية، التي أشاهدها وأتدوقها في الشارع وفي المدرسة، والقيم التي أراها في هذا الجو، الذي يجد فيه الشباب (الوحدوي) روحه المسيحية في دقيقة التهجد عندما يقيمها (هنري نازيل)، وكنت بدوري اكتشفت خلال تلك الدقيقة، ما تنطوي عليه الروح المسيحية من حرارة في عقيدتها، ومن طاقة على الإشعاع.
وربما كشفت لي هذه الملاحظات عن جوانب في روحي المسلمة لم أكن أشعر بها قبل بالحدة نفسها، إذ لم تكن روحي الموحِّدة تتسع للمفاهيم الثالوثية التي يحملها إخواني (الوحدويون)، وبدأت فعلاً تدور بيني وبينهم محاورات تدخل موضوعات جديدة في جو (الوحدة) وتساؤلات جديدة عند رفاقي.
وربما بدأ (مرسولين) يتأثر بأفكاري، لأنه أصبح يُبدي بعض التفاهم مع
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 222