وشجعه أصحاب المكتبات على قراءة الكتب دون مقابل.
ويُروى أن وراقًا كان يلازمه قال: (كان اليوم عندي -أي المتنبي- وقد أحضر رجل كتابًا في نحو ثلاثين ورقة لبيعه، فأخذه أبو الطيب، ونظر فيه طويلًا، فقلت له: "ما هذا؟ أريد بيعه، وقد قطعتني عن ذلك، فإن كنت تريد حفظه فهذا يكون في شهر إن شاء الله"، فقال المتنبي: "إن كنت حفظته هذه المدة؟ " قلت: "أهب لك الكتاب"، قال: "اسمها مني"، فأخذت الدفتر من يده، وأقبل يتلوه حتى انتهى إلى آخره).
ومِن أشهر مَن كان يُعنَى بالتفتيش عن النابغين، ويستنقذهم من ظروفهم القاسية، ويأخذ بأيديهم في طلب العلم الِإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى، فقد حرص الإمام أبو حنيفة -عندما تولى حلقة الدرس بعد شيخه حماد- على رعاية تلاميذه النابغين، فقد كان يواسيهم من ماله الخاص، ويعينهم على نوائب الدهر، حتى أنه كان يزوج من كان في حاجة إلى الزواج وليست عنده مئونته، ويرسل لكل تلميذ حاجته، قال شريك أحد تلامذته: (كان يُغني من يعلمه، وينفق عليه وعلى عياله، فإذا تعلَّم قاله له: "لقد وصلت إلى الغنى الأكبر بمعرفة الحلال من الحرام"، وكان ينظر إلى نفوس تلاميذه، ويتعهدها بالرعاية والنصيحة، فإذا وجد من أحدهم إحساسًا بالعلم يمازجه الغرور، أزال عنه درن الغرور ببعض الاختبارات، التى تثبت له أنه ما زال في حاجة إلى مزيد من العلم).
* وذكر الكردري في مناقبه بسنده إلى أبي يوسف رحمه الله تعالى، قال: (كنت أطلب الحديث وأنا مقل المال، فجاء إلي أبي وأنا عند الِإمام، فقال لي: "يا بني لا تمدنَّ رجلك معه، فإن خبزه مشوي