* وقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله تعالى: (كنت يتيمًا في حجر أمي، فدفعتني إلى الكُتَّاب، ولم يكن عندها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام، فلما جمعتُ القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء، وكنت أسمع الحديث والمسألة فأحفظها، فلم يكن عند أمي ما تعطيني أشتري به القراطيس، فكنت أنظر إلى العظم فآخذه فأكتب فيه، فإذا امتلأ طرحته في جَرَّة، فاجتمع عندي حُبَّان) [1].
وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: (كنت وأنا في الكتاب أسمع المعلم يلقِّن الصبي الآية، فأحفظها أنا، ولقد كان الصبيان يكتبون إملاءهم، فإلى أن يفرغ المعلم من الإملاء عليهم كنت قد حفظت جميع ما أملي، فقال لي ذات يوم: "ما يحل لي أن آخذ منك شيئًا").
قال: (ثم لما أن خرجت من الكتاب كنت ألتقط الخزف، والرقوق [2]، وكَرَبَ [3] النخل، وأكتاف الجمال، أكتب فيها الحديث، وأجيء إلى الدواوين، وأستوهب منها الظهور، فأكتب فيها، حتى كان لأمي حُبان، فملأتهما أكتافًا) اهـ.
* وحفظ الإمام أحمد بن حنبل القرآن في صباه وتعلم القراءة والكتابة، ثم اتجه إلى الديوان يمرن على التحرير، ويقول عن نفسه: "كنت وأنا غليم أختلف إلى الكتَّاب، ثم اختلفت إلى الديوان وأنا ابن أربعَ عشرةَ سنة"، وكانت نشأته فيها آثار النبوغ والرشد حتى قال [1] الحُبُّ: وعاء الماء كالزير والجرَّة. [2] الرقوق: جمع رَقٍّ، جلدٌ رقيق يُكْتَب فيه، والصحيفة البيضاء. [3] الكَرَب: الأصل العريض للسعف إذا يبس.