بعض الآباء: "وأنا أنفق على ولدي وأجيئهم بالمؤدبين على أن يتأدبوا، فما أراهم يفلحوق، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم، انظروا كيف!! " وجعل يعجب من أدبه وحسن طريقته.
وكان عمه يرسل إلى بعض الولاة بأحوال بغداد ليعلم بها الخليفة، وقد أرسلها مرة مع ابن أخيه أحمد بن حنبل فتورع عن ذلك ورمى بها في الماء تأثمًا من الوشاية والتسبب لما عسى أن يكون فيه ضرر بالمسلمين، وقد لفت هذا الورع وهذه النجابة كثيرًا من أهل العلم والفراسات حتى قال الهيثم بن جميل: "إن عاش هذا الفتى فسيكون حجة على أهل زمانه".
* وقال الحافظ ابن عبد الهادي بن قدامة رحمه الله: (بلغني أن بعض مشايخ حلب قدم إلى دمشق، وقال: "سمعت أن في هذه البلاد صبيًّا يقال له: أحمد بن تيمية سريع الحفظ، وقد جئت قاصدًا لعلي أراه"، فقال له خياط: "هذه طريق كُتَّابه، وهو إلى الآن ما جاء، فاقعد عندنا الساعة يمر ذاهبًا إلى الكُتَّاب"، فلما مر قيل: "ها هو الذي معه اللوح الكبير"، فناداه الشيخ، وأخذ منه اللوح، وكتب له من متون الحديث أحد عشر أو ثلاثة عشر حديثًا، وقال له: "اقرأ هذا"، فلم يزد على أن نظر فيه مرة بعد كتابته إياه، ثم قال: "اسمعه عليَّ"، فقرأه عليه عرضًا كأحسن ما يكون، ثم كتب عدة أسانيد انتخبها، فنظر فيه كما فعل أول مرة فحفظها، فقام الشيخ، وهو يقول: "إن عاش هذا الصبي ليكوننَّ له شأن عظيم، فإن هذا لم يُرَ مثله"، فكان كما قال) [1] اهـ.
(1) "غاية الأماني" (2/ 169 - 170).