اسم الکتاب : هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا المؤلف : الخزندار، محمود محمد الجزء : 1 صفحة : 185
وكل ما في نفوسهم من إجلال وهيبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يمنعهم من المصارحة، وكل ما لرسول الله من منزلة عند ربه، لم يدفعه إلى منع الاعتراض، أو التساؤل، أو الاستفسار الناشئ عن صراحة وصدق.
فلا يحزننَّ أصحاب الوجاهة من صراحة أتباعهم، ولا يستاءنَّ المؤمن الداعية من وضوح إخوانه، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رفعة قدره، ووجوب طاعته، كان يقابل الصرحاء بالتبسم، وبالكلمة الطيبة.
وفي قصة بيعة العقبة أن أبا الهيثم بن التَّيِّهان - رضي الله عنه -، أراد أن يستوثق ويتثبت من مستقبل هذه البيعة، فقال - بصراحة -: (يا رسول الله.، إن بيننا وبين الرجال حبالاً - يعني اليهود - وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله، أن ترجع إلى قومك، وتدعنا؟)، لم ينفعل رسول الله ولم يغضب ولم يقل كما يقول الكثيرون: ألا تثقون بنا؟ أين الجندية؟ أين الثقة بالقيادة؟! بل (تبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: «بل الدَّم الدَّم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم» [1]، بهذه التربية تعلَّم الصحابة أن ينطقوا بالصراحة، وأن يقبلوها ممن يصارحهم.
وحين قام رجل يأمر عمر - رضي الله عنه - بالتقوى، اعترض بعض الحاضرين، فقال عمر: (دعوه فليقلها، لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها) [2].
إن الصراحة تدعو صاحبها للاعتراف بضعفه، والتراجع عن خطئه، ومن الأمثلة المعاصرة ما ذكره الدكتور [1] مسند أحمد 3/ 462 وذكره ابن إسحاق - ورجاله كلهم ثقات - (بلوغ الأماني 20/ 274) [2] عن كتاب (أخلاقنا الاجتماعية) ص 53.
اسم الکتاب : هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا المؤلف : الخزندار، محمود محمد الجزء : 1 صفحة : 185