الأضرار، فيلزم الإذن؛ لأن دفع الضرر واجب، وما يستلزمه هذا الدافع يكون مشروعًا، ومع هذا التوجيه المقبول نرى جواز تغيير المنكر من المتطوع إذا أمن الفتنة، وإن استلزم التغيير اتخاذ الأعوان، واستعمال القوة، ومباشرة التعزير كلما كان ذلك ضروريًّا، ولا يحتمل التأخير حتى يتحصل الإذن.
وأما العدالة، فهذا شرط قال به البعض، فعندهم لا بد أن يكون المحتسب عدلًا غير فاسق، ومن مظاهر عدالته أن يعمل بما يعلم، ولا يخالف قوله عمله، ويمكن أن يستدل بهذا القول بقول الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (البقرة: 44).
كما أن المطلوب من المسلم أن يعمل بما يدعو الناس إليه، ولا يخالف قوله فعله؛ ليكون لقوله التأثير المطلوب في رفع المنكر واستجابة الناس له، ولهذا قال شعيب -عليه السلام- لقومه كما أخبرنا الله تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88).
وفي الحديث الشريف أن النبي -صلى الله عليه وسل م- قال: ((رأيت ليلة أسري به رجالًا تقرض شفاههم بالمقرايض، فقلت له: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم)).
وقال البعض الآخر: العدالة ليست شرطًا، وإنما الشرط القدرة على إزالة المنكر؛ لأنه ما من أحد إلا ويصدر منه العصيان، والمعصية تثلم العدالة، فكيف يُشترط ما يتعذر التحقق في المسلم، ولهذا قال سعيد بن جبير -رحمه الله تعالى: "إذا كان لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من لا يكون فيه شيء، لم يأمر أحد بشيء".