وقال إمام الحرمين: "والدليل عليه إجماع المسلمين بأن غير الولاة في الصدر الأول كانوا يأمرون الولاة وينهونهم، مع تقرير المسلمين إياهم على ذلك، وترك توبيخهم على التشاغل بذلك بغير ولاية".
قال الإمام ابن النحاس: قلت: ويؤكد ما سبق من حديث طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري في الإنكار على مروان بن الحكم تقديمه الخطبة على الصلاة في العيد، واستدل على فعله بقول النبي -صلى الله عليه وسل م-: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
وقد تكلم الدكتور عبد الكريم زيدان عن هذين الشرطين المختلف فيهما، وهما: العدالة، وإذن الإمام؛ فقال: "أما الإذن من الإمام أو نائبه فهذا شرط محل نظر، ذلك أن المحتسب إذا عُيِّن من قبل ولي الأمر فلا حاجة له للإذن؛ لأنه ما عُين إلا للاحتساب، أما إذا لم يكن معينًا وهو الذي يسمونه المتطوع فإن اشترطوا له الإذن لكل نوع من أنواع الحسبة، فإن اشتراطهم هذا لا دليل عليه، بل إن النصوص تدفعه؛ لأن كل مسلم يلزمه تغيير المنكر إذا رآه، وقدر على إزالته، دون اشتراط إذن من الإمام، ويؤيد ذلك استمرار السلف الصالح على الحسبة دون إذن من الإمام؛ فضلًا على أن الحسبة تجري على الإمام نفسه، فكيف يحتاج المحتسب إلى إذن منه للإنكار عليه.
وإن اشترطوا الإذن بالنسبة لبعض أنواع الحسبة، وهي التي يجري فيها التعذير واتخاذ الأعوان، واستعمال القوة، فهذا الشرط له وجه مقبول لابتنائه على المصلحة؛ لأن إباحة هذا النوع من الاحتساب لكل أحد قد يؤدي إلى الفتنة والفوضى، ووقوع الاقتتال بين الناس بحجة الحسبة، وباشتراط الإذن تندفع هذه