والراجح: عدم اشتراط العدالة في المحتسب من حيث المبدأ، ومن حيث الجملة دون التفصيل؛ لأن الاحتساب فرض كسائر الفروض الإسلامية، لا يتوقف القيام به على أكثر مما يتطلبه ويحتاجه هذا الفرض، وليس مما يتوقف عليه أن يكون المحتسب عدلًا بالاصطلاح المعروف عند الفقهاء؛ لأن ما يأمر به المحتسب أو ينهى عنه، هو من الأمور الحسنة المشروعة، والحق ينبغي أن يتبع ويقبل من قائله بغض النظر عن فعله وسلوكه، وما احتج به المشترطون لا حجة لهم فيه؛ لأن الذمَّ على من يأمر غيره بالمعروف وينسى نفسه إنما استحق هذا الذم بسبب ارتكابه ما نهى عنه، لا على نهيه على المنكر، وإن كان النهي على المنكر ممن يأتيه مستقبحًا في النفوس، كما أن أمره بالمعروف دلَّ على قوة علمه، وعقاب العالم وذمُّه إذا ارتكب المنكر أشد من الجاهل إذا ارتكب المنكر. وعليه، فإن الإنكار في قول الله تعالى: {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} إنما كان بسبب أنهم نسوا أنفسهم لا بسبب أنهم أمروا غيرهم بالمعروف.
هذا هو رأينا في المسألة واشتراط العدالة في المحتسب، ومع ترجيحنا عدم اشتراط العدالة في المحتسب من حيث المبدأ والأصل إلا أن العدالة لها تأثير في بعض أنواع الحسبة وفي وجوبها أو عدم وجوبها، ومن ثم يكون لاشتراط العدالة وجه مقبول، وبيان ذلك أن الحسبة إذا كانت بالوعظ والإرشاد؛ فإن نفعها المرجو يحصل إذا كان المحتسب ورعًا تقيًّا عدلًا، حيث يكون لكلامه ووعظه عادة تأثير في الناس وقبول عندهم، فيتركون المنكر، وحيث كان نفع الحسبة مرجوًّا بالوعظ ولا ضرر للمحتسب منه؛ كانت الحسبة عليه واجبة. فيكون اشتراط العدالة في هذه الحالة لوجوب الحسبة اشتراطًا مقبولًا.