هو صمام الأمان للمجتمع، بل سفينة النجاة للأمة، ولا أدل على ذلك من هذا المثل العظيم الذي ضربه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لبيان أثر قيام بهذا الأمر في صيانة المجتمع والنجاة من الهلاك، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)).
قال ابن النحاس -رحمه الله-: "اعلم أن في تمثيل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا جملة من الفوائد منها:
أولًا: أن المسلمين مشتركون في الدين الذي هو آلة النجاة في الآخرة، كاشتراك آل الدنيا في السفينة التي هي آلة النجاة في الدنيا، وكما أن سكوت شركاء المدينة عن الشريك الذي أراد إفسادها سبب هلاكهم في الدنيا كذلك سكوت المسلمين عن الفاسق، وترك الإنكار عليه سبب هلاكهم في الآخرة.
ثانيًا: أنه كما لا ينجي الشركاء من الهلاك قول المفسد: إنما أفسد فيما يخصني كذلك لا ينجي المسلمين من الإثم والعقوبة قول مرتكب المنكر: إنما أجني على ديني لا على دينكم، وعليكم أنفسكم، لي عملي ولكم عملكم، وكل شاة معلقة بعرقوبها، ونحو هذا الكلام الذي يجري على ألسنة الجاهلين.
ثالثًا: أن أحد الشركاء في السفينة إذا منع المفسد من خرقها كان سببًا في نجاة أهل السفينة كلهم كذلك من قام من المسلمين بإنكار المنكر كان قائما بفرض الكفاية عنهم، وكان سببا لنجاة المسلمين جميعًا من الإثم، وله عند الله الأجر الجزيل.
رابعًا: أنه إذا أنكر منكر من آل السفينة على الشريك الذي أراد خرقها، فاعترض عليه معترض منهم نسب ذلك المعترض إلى قلة العقل والجهل بعواقب هذا