responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشورى في الشريعة الإسلامية المؤلف : حسين بن محمد المهدي    الجزء : 1  صفحة : 132
ولهذا فإنه ينبغي للقاضي أن يشاور أهل العلم والصلاح وأن يستعين برأيهم، فالقاضي إنسان يصيب ويخطىء وقد يتأثر ببعض عواطفه وأهوائه فيميل في قضائه إلى بعض أطراف الخصوم بما يقوض أركان العدل، ولقد بلغ من حرص الدولة الإسلامية أن أوجدت في بعض المحاكم ما يسمى بشهود القضاء أو العدول، وكانت مهمتهم هي الشهادة على بعض الأحكام، وسيجد المتتبع في كتب الفقه [1] والتراجم [2] الكثير من ذلك فإن القضاة كانوا يتخذون شهوداً منهم, وعلى سبيل المثال لا الحصر عتيق الصباغ وأبو الطاهر الذهلي وعبدالله بن ثوبان وغيرهم، ويقول الدكتور محمد عبدالرحمن البكر أنه وصل الأمر إلى حد أن أصبحت الشورى في بعض العصور وظيفة يتخصص لها بعض العلماء كيحيى بن وافد اللخمي وأبي الأصبغ فيما يشبه أن يكون جهازاً لمراقبة القضاة [3].
أما الشهود الذين كانوا يؤلفون جزءاً من المحكمة بحيث لا تنعقد إلا بهم حيث كانوا يجلسون على يمين القاضي ويساره ليشهدوا على ما يجري من الدعاوي والأحكام فقد أوجب بعض الفقهاء حضور الشهود، قال ابن فرحون (ومنها إحضاره الشهود العدول في مجلس قضاءه) قال المازري: يؤمر القاضي بذلك ويتأكد الأمر به على القول بأن القاضي لا يقضي بعلمه فيما أمر به الخصم في مجلسه [4] , وجاء في مواهب الجليل: وإذا كان المشهور أن القاضي إذا سمع إقرار الخصم لا يحكم عليه حتى يشهد عنده بإقراره شاهدان فيكون إحضار الشهود واجباً وإلا لا فائدة [5].
قلت: وليست تلك الغاية التي تتوخى فحسب بل إن وجود الشهود العدول من العلماء ليكونوا مستشارين قد يكون في بعض الحالات ضرورة, فإن القاضي العادل لا يستغني عن وجود مثل هؤلاء قط، فالمتتبع للآثار الفقهية والقضائية التي درج عليها الخلفاء الراشدون سيجد أنهم كانوا يحضون على التشاور مع وجهاء الصحابة وأهل الرأي, وذلك من أجل التحري في إقامة العدل والوصول إلى الحق، وهذا هدف من أهداف علانية الجلسات أيضاً عند التقاضي، وفي أخبار القضاة لوكيع [6] كانت القضاة لا تستغني أن يجلس إليهم بعض العلماء, وقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله تعالى فإن وجد ما يقضي به بينهم قضى به وإن لم يجد وعلم في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة قضى بها فإن أُعيي خرج فسأل المسلمين وقال: أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكرون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضاء فيقول أبو بكر الحمد الله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا عليه الصلاة والسلام، فإن أعياه أن يجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة جمع خيار الناس ورؤوسهم فاستشارهم فإن أجمع أمرهم على رأي قضى به، وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان لأبي بكر فيه قضاء فإن وجد أبا بكر قضى فيه بقضاء قضى به وإلا دعا رؤوس المسلمين فإن اجتمعوا على أمر قضى به [7]، ولفظ الدارمي (فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به) [8] وقد أورد هذا الحديث الحافظ ابن حجر في فتح الباري مختصراً وعزاه للبيهقي وصحح إسناده وقال (وإن عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك كما تقدم أن القراء كانوا أصحاب مجلس عمر ومشاورته) [9] وعن شريح القاضي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليه إن جاءك شيء في كتاب الله فاقض به ولا يلفتك عنه الرجال، فإن جاءك ما ليس في

[1] - انظر أدب القاضي للماوردي أبو الحسن علي من محمد- تحقيق يحيى هلال السرحان - وزارة الأوقاف بالعراق - ج2 - ص 345 وما بعدها، وتبصرة الحاكم لابن فرحون ص 37، ومواهب الجليل ج 6 - ص118.
[2] - انظر في ذلك إحياء القضاة - ج 2 - ص 125 - والولاة والقضاء للكندي ص 389 وما بعدها.
[3] - السلطة القضائية وشخصية القاضي في النظام الإسلامي للدكتور محمد عبدالرحمن البكر ص 253.
[4] - تبصرة الحكام ج 1 - ص 37.
[5] - انظر مواهب الجليل للحطاب - ج6 - ص 118.
[6] - أخبار القضاة لوكيع ج 2 - ص 150.
[7] - انظر تبصرة الحكام لابن فرحون ج 1 - ص 37. وإعلام الموقعين لابن القيم ج1 - ص 62. وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 40، وأخبار القضاة لوكيع ج 2 - ص 415. والجرائم الماسة بالوظيفة العامة للمؤلف ص 116.
[8] - أخرجه الدارمي في باب الفتيا وما فيه من الشدة.
[9] - انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ أحمد بن علي بن حجر ج 13 ص 342.
اسم الکتاب : الشورى في الشريعة الإسلامية المؤلف : حسين بن محمد المهدي    الجزء : 1  صفحة : 132
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست