وكان الله قد أنزل قوله من قبل: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم}. (سورة الأحزاب: 40).
وأيضا أنزل الله مثل ذلك قوله: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (...) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} (سورة الأحزاب: 4 - 5).
وقد صرح الحق تعالى في هاتين الآيتن ببطلان هذه العادة الزائفة التي لم تكن العرب فريستها فحسب، بل كان العالم كله خاضعا لها. وبما أنها كانت قديمة عميقة الجذور تطلب إصلاحها نموذجا عظيم الهمة لهذا اختير النبي - صلى الله عليه وسلم - كنمودج لتحطيم صخرة هذه الجاهلية وردم بطلانها، وذلك لكونه الأسوة الحسنة {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} وقد تم ذلك حين لم ترض زينب بأن تعايش زيدا زوجها، وهو الذي كان يعايش بحلمه وتقواه أم أيمن التي كانت أكبر منه والتي كانت حبشية الأصل، ووصل الأمر إلى أنه شكى ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أمسك عليك زوجك" وحثه على أن يحتمل ذلك فقال: "اتق الله" ولكن العلاقة بين الزوجين علاقة غريبة إذا ساءت لا يحسنها نصح ناصح، فطلق زيد زينب. أما ماذا كان تأثيره على زينب وأسرتها فأمر نستطيع أن نتصوره. إن زينب وأهلها ما كانوا يحسبون زيدا أهلا لهذا النكاح، وإنما فعلوا ذلك امتثالا لأمر الله ورسوله، ولم يكن يخطر لهم ببال أن زينب مع طاعتها لله ولرسوله ستواجه هوان الطلاق وأن الناس سيعيبونها بأنها لا تطيع زوجها.
وماذا كان تأثير هذا الطلاق على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ لقد أضر أولا بالمصلحة الدينية التي لأجل توطيدها كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اهتم بهذا النكاح، وأرضى امرأة لها مكانتها في أسرتها بأن تنكح رجلا كان عبدا في زمن، وكان ينادى بالمولى [1]. وأحزن ذلك ثانيا قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد امتثلت لأمره زينب وأهلها فوقعوا في المصيبة. وفي مثل هذا الأوان الحرج أنزل الله الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بأن زينب قد أصبحت أم المؤمنين، وهكذا جبر الله تعالى خاطرها بذات النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه.
لقد أتى على زينب حين من الدهر امتنعت عن نكاح زيد نتيجة للتقاليد المتبعة، ثم [1] كانوا يسمون العبد المعتق مولى.