وبعد نزول هذه الآية تركت زينب وأقرباؤها أفكارهم القومية والذاتية، وأصبح هذا النكاح منة عظيمة على البشرية كما استحقت زينب الثناء والمدح.
وشاء الله أن يجعل من حياة زينب نفسها إصلاح أمر آخر:
وهو أنه كانت قد جرت العادة في الأقطار المختلفة إذا لم يكن لأحد ولد أخذ ولد غيره ويقال له متبني، وكان التبني لا ينسب نفسه إلى أبيه الحقيقي بل ينسب إلى من أخذه وتبناه.
وكانت هذه العادة خروجا على مشيئة القدرة الإلهية، فكأن من ظفر بولد غيره يقول بلسان حاله لربه: ها أنا ظفرت بولد وإن لم تعطني إياه، هذا بالإضافة إلى عدة أمور منها:
(ألف) كان لهذه العادة تأثير سيء على حقوق الورثة الشرعيين، إذ أنهم كانوا يرثون المال بوثيقة شرعية ويرث معهم هذا الوارث المصطنع أيضا، فيغرس ذلك بذور العداوة والبغضاء داخل الأسرة وتنشأ نزاعات لا نهاية لها.
(ب) والمتبني الذي كان بمثابة فرع منفصل عن شجرة الأسرة كان يتألم لأنه ليست بينه وبين هذه الأسرة الجديدة علاقة دم حقيقية وإنما هي عادة من العادات الشكلية، وكان يحسد إخوته الحقيقين لو كانوا في حالة طيبة بينما كان إخوته الحقيقيون يحسدونه لو كان في حالة طيبة.
(ج) وكان الذي يتبنى ولدا يحبه في صباه ويربيه حتى يكبر وحين يراه بعد بلوغه لا يتصف بصفات أسرته وأنه غريب في طباعه على أقربائه أصيب باليأس والأسى.
(د) وأيضا فإن أباه الحقيقي الذي احتمل الحرمان من ثمرة فؤاده وفلذة كبده والذي لا يمكن أن تنقطع عنه مودته الأبوية إذا رأى ابنه في مصيبة في بيت غيره تحسر وألقى باللائمة على فعله، وتأسف على ما فعل، وهذه الأمور كلها تدل على أن التبني كان ثمرة مرة في أي صورة من صوره، وكأنت هذه الحالة المصطنعة مثلها مثل الخضاب الذي يزول ويكشف ما أخفاه.
وقد شاء الله أن يصلح هذه العادة السيئة ويبرهن رسوله بطلانها بنفسه، وهو رحمة للعالمين وهو المصلح الأعظم لأهل الأرض.