أثر دعرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
حين أتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا العمل العظيم، قرب العباد من الله، وقرب الأمم من الأمم، وأثبت النصر والأخوة مكان البغضاء والعداوة، وأخرج الظلمة والجهالة لينير القلوب والعقول بنور الصدق والعلم، وهكذا رحل عن هذا العالم فارغ البال قرير العين فرحا مسرورا.
وحتى يمكن للقارئ أن يقدر عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - العظيم عليه أن ينظر: كيف بذرت بذرة الإسلام في القلوب الطاهرة فأثمرت ثمارا طيبة؟ فكان النجاشي ملك الحبشة، وجيفر ملك عمان وأكيدر رئيس دومة الجندل يفخرون بالوقوف جنبا إلى جنب مع بدو نجد وتهامة وفقراء اليمن، وترك عبد الله بن سلام الإمامة في اليهودية، وكذا ترك ورقه بن نوفل الإمامة في النصرانية وعثمان بن طلحة في الإبراهيمية وشرفوا بأن يكونوا في خدمة الإسلام، أما سلمان الفارسي العبد المملوك لليهود فقد فاز بالدرجة الرفيعة التي أنزلها إياه رسول الله (سلمان منا أهل البيت)، وبلال الحبشي العبد المملوك للوثنيين، كان عمر الفاروق الأعظم الذي يخاف سطوته وهيبته قيصر وكسرى، يقول له: سيدنا سيدنا، وهكذا - في ظل الإسلام - انتهت امتيازات اختلاف الألوان وتباين الألسنة، والتفرقة الوطنية حتى صار مجرد ذكر شرف الحسب والنسب دليلا على النذالة، فالدين جعلهم جميعا أمة واحدة، فتوحدت العواطف في القلوب والغيرة في الطبائع، والفكر في العقول، وعلى الألسن نداء واحد هو نداء التوحيد.
انقلب العدو صديقا، وصار القاتل مدافعا عن الإسلام فها هو عمرو بن العاص الذي ذهب إلى النجاشي في الحبشة سفيرا لقريش، ليعتقل المسلمين - كمجرمين - ها هو بعد عدة سنوات يذهب إلى ملك عمان داعيا إلى الإسلام، ويعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يبشره بإسلام الآلاف من الناس.
وها هو خالد بن الوليد الذي قاد جيش المشركين في غزوة أحد جاعلا من القضاء على المسلمين أسمى أهداف حياته، ها هو بعد فترة يدخل رحاب الإسلام، فيهدم بيديه معابد اللات والعزى، ويكون قائدا مظفرا في جيش الفتوحات الإسلامية.
وها هو عروة بن مسعود رضي الله عنه الذي كان سفيرا لقريش في الحديبية جاء ليمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دخول مكة، فإذا به هو نفسه يأتي المدينة ويستأذن رسول الله