جعلها وسط قارات آسيا وأوربا وإفريقيا، وهي حين تربط الدنيا بيمينها وشمالها برا وبحرا تجعلها وحدة واحدة ولهذا يمكن أن يفهم كيف وصلت جميع أديان العالم إلى هذه البلاد وكيف فسدت تحت تأثير سيطرة الجهل وهكذا يمكن أن يفهم أيضا أنه إذا ما اختير مكان ما لتأسيس مركز لهداية العالم أجمع فإن الجزيرة العربية هي أنسب وأصلح مكان لذلك، وخاصة إذا نظرنا إلى ذلك الزمان لأمكننا القول بأنه إذا كانت الدول الكبرى في إفريقيا وأوربا وآسيا على صلة بالجزيرة العربية فإن السبل كانت متوفرة لإيصال صوت الجزيرة العربية بأسرع ما يمكن إلى القارات الثلاث.
ولهذا (وحسبما أفهم) بعث الله سيدنا محمدا [1] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جزيرة العرب، وكلفه بتبليغ دعوة الهداية إلى أمته، وبلده، والعالم أجمع بالترتيب.
وسوف يستطيع القارئ بمطالعته لهذا الكتاب أن يعرف كم كانت صعوبة العمل الذي اطلع به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكيف أدى هذا الواجب بأسلوب جميل، وصبر وحلم، وثبات وتحمل، لينشر بذلك الحضارة والمدنية والعلم والأخلاق ويوحد الأمم والبلاد، كيف رفع مكانة الإنسان ونشر رسالة التوحيد، وأشعر قلوب البشر بعظمة الله وكبريائه فأثبت أن جميع الموجودات خلقت لخدمة الإنسان.
وسوف يستطيع القارئ أيضا أن يعرف كيف وحد الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بين بني البشر وجعلهم سواسية وساوى بينهم في العقيدة والفكر، وذلك رغم فوارق النسل والجنس والقومية وتباين الأوطان والبلاد، وامتيازات الغنى والفقر وتفاوت ظروف المنتصر والمنهزم، واختلاف اللغات والألوان وما إلى ذلك.
= أ - اسم مكة في كتب اللغة يعني "سرة الأرض" وسرة الإنسان لا تكون وسطه بالضبط بل تكون قريبا في وسط جسمه وهذا هو السبب في أن مكة تقع في أقرب منطقة للوسط والفرق نصف درجة يثبت أن مكة هي "سرة الأرض."
ب - وليفهم الآن أن بلاد العرب تقع ما بين درجتي خطي عرض 15 و35 شمالا، وبينهما تقطن الأجناس الشهيرة في العالم، ففي الشرق القبائل الآرية والمنغولية، وفي الغرب الأحباش والحاميون والهنود الحمر (سكان أمريكا الأصليون)، وحين تظهر مسألة الدعوة بين الأمم جميعا تكون الجزيرة العربية هي مركز الدعوة، ولهذا جاء في القرآن الكريم: {جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء}. [1] لفظ محمد اسم مفعول من حمد والمضاعف للمبالغة وأحمد أيضا من حمد، وهو