responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 398
الشَّرْحُ
- هَذَا البَابُ مُشَابِهٌ لِلأَبْوَابِ السَّابِقَةِ فِي شُكْرِ النِّعْمَةِ، لِأَنَّ مِنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ نِسْبَتُهَا لِلمُنْعِمِ.
- قَالَ اللهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيْفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الشَّاكِرِيْنَ، فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيْمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُوْنَ، أَيُشْرِكُوْنَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُوْنَ} (الأَعْرَاف:191).
قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ [1]: (أَيْ: {هُوَ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ} أَيُّهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ المُنْتَشِرُوْنَ فِي الأَرْضِ عَلَى كَثْرَتِكُم وَتَفَرُّقِكُم {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} وَهوَ آدمُ أَبُو البَشَرِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أَيْ: خَلَقَ مِنْ آدَمَ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ لِأَجْلِ أَنْ يَسْكُنَ إِلَيهَا، لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مِنْهُ حَصَلَ بَينَهُمَا مِنَ المُنَاسَبَةِ وَالمُوَافَقَةِ مَا يَقْتَضِي سُكُوْنَ أَحَدِهِمَا إِلَى الآخَرِ، فَانْقَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ بِزِمَامِ الشَّهْوَةِ {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} [2] أَيْ: تَجَلَّلَهَا مُجَامِعًا لَهَا قَدَّرَ البَارِيُ أَنْ يُوْجَدَ مِنْ تِلْكَ الشَّهْوَةِ وَذَلكَ الجِمَاعِ النَّسْلَ، وَحِيْنَئِذٍ {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيْفًا} وَذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الحَمْلِ، لَا تَحُسُّ بِهِ الأُنْثَى، وَلَا يُثْقِلُهَا {فَلَمَّا} اسْتَمَرَّتْ بِهِ وَ {أَثْقَلَتْ} بِهِ حِيْنَ كَبُرَ فِي بَطْنِهَا، فَحِيْنَئِذٍ صَارَ فِي قُلُوْبِهِمَا الشَّفَقَةُ عَلَى الوَلَدِ وَعَلَى خُرُوْجِهِ حَيًّا صَحِيْحًا سَالِمًا لَا آفَةَ فِيْهِ، فَدَعَوا {اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا} [3] وَلَدًا {صَالِحًا} أَيْ: صَالِحَ الخِلْقَةِ تَامَّهَا [4] - لَا نَقْصَ فِيْهِ - {لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الشَّاكِرِيْنَ}، {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا} عَلَى وُفْقِ مَا طَلَبَا، وَتَمَّتْ عَلَيْهِمَا النِّعْمَةُ فِيْهِ {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيْمَا آتَاهُمَا} أَيْ: جَعَلَا للهِ شُرَكَاءَ فِي ذَلِكَ الوَلَدِ الَّذِيْ انْفَرَدَ اللهُ بِإِيْجَادِهِ وَالنِّعْمَةِ بِهِ، وَأَقرَّ بِهِ أَعْيُنَ وَالِدَيْهِ، فَعَبَّدَاه لِغَيْرِ اللهِ [5]؛ إِمَّا أَنْ يُسَمِّيَاهُ بِعَبْدِ غَيْرِ اللهِ كَـ (عَبْدِ الحَارِثِ) وَ (عَبْدِ العُزَيْرِ) وَ (عَبْدِ الكَعْبَةِ) وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ يُشْرِكَا بِاللهِ فِي العِبَادَةِ [6] بَعْدَمَا مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمَا بِمَا مَنَّ مِنَ النِّعَمِ الَّتِيْ لَا يُحْصِيهَا أَحَدٌ مِنَ العِبَادِ.
وَهَذَا انْتِقَالٌ مِنَ النَّوعِ إِلَى الجِنْسِ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ الكَلَامِ فِي آدَمَ وَحَوَّاءَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الكَلَامِ فِي الجِنْسِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مَوْجُوْدٌ فِي الذُّرِّيَّةِ كَثِيْرًا، فَلِذَلِكَ قَرَّرَهُمُ اللهُ عَلى بُطْلَانِ الشِّرْكِ، وَأَنَّهُم فِي ذَلِكَ ظَالِمُوْنَ أَشَدَّ الظُلْمِ؛ سَوَاءً كَانَ الشِّرْكِ فِي الأَقْوَالِ أَمْ فِي الأَفْعَالِ، فَإِنَّ الخَالِقَ لَهُم مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ؛ الَّذِيْ خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَجَعَلَ لَهُم مِنْ أَنْفُسِهِم أَزْوَاجًا، ثُمَّ جَعَلَ بَينَهُم مِنَ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ مَا يَسْكُنُ بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ وَيَأْلَفُهُ وَيَلْتَذُّ بِهِ؛ ثُمَّ هَدَاهُم إِلَى مَا بِهِ تَحْصُلُ الشَّهْوَةُ وَاللَّذَّةُ وَالأَوْلَادُ وَالنَّسْلُ، ثُمَّ أَوْجَدَ الذُّرِّيَّةَ فِي بُطُوْنِ الأُمَّهَاتِ وَقْتًا مَوْقُوْتًا تَتَشَوَّفُ إِلَيْهِ نُفُوْسُهُم، وَيَدْعُوْنَ اللهَ أَنْ يُخْرِجَهُ سَوِيًّا صَحِيْحًا؛ فَأَتَمَّ اللهُ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ وَأَنَالَهُم مَطْلُوْبَهُم. أَفَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَعْبُدُوْهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ فِي عِبَادَتِهِ أَحَدًا، وَيُخْلِصُوا لَهُ الدِّينَ؟! وَلَكِنَّ الأَمْرَ جَاءَ عَلَى العَكْسِ، فَأَشْرَكُوا باللهِ مَنْ لَا {يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُوْنَ} {وَلا يَسْتَطِيْعُوْنَ لَهُمْ} أَيْ: لِعَابِدِيْهَا {نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُوْنَ}).

[1] (ص311).
[2] فِيْهِ الإِرْشَادُ إِلَى الأَدَبِ فِي عَدَمِ ذِكْرِ (الجِمَاعِ) بِصَرِيْحِ اسْمِهِ، وَلِأَنَّ الطِّبَاعَ السَّلِيْمَةَ تَكْرَهُ أَنْ تَذْكُرَ هَذَا الشَّيْءَ بِاسْمِهِ إِلَّا إِذَا دَعَتِ الحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَد يُصَرِّحُ بِهِ، كَمَا فِي قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَاعِزٍ - وَقَد أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالزِّنَا -: (أَنِكْتَهَا) - لَا يُكَنِّي -؛ لِأَنَّ الحَاجَةَ هُنَا دَاعِيَةٌ لِلتَّصْرِيْحِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الأَمْرُ جَلِيًّا. وَالحَدِيْثُ رَوَاهُ البُخَارِيُّ (6824) عَنْ ابْنِ عبَّاسٍ مَرْفُوْعًا.
[3] قُلْتُ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهَ رَبَّهُمَا} بَيَانُ عِلَّةِ قُبْحِ الشِّرْكِ؛ أَنَّهُ إِشْرَاكٌ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ مَعَ مَنْ يَمْلِكُ، وَلِمَنْ بِيَدِهِ النَّفْعُ وَالضُّرُّ مَعَ مَنْ لَا يَمْلِكُ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، فَسُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُوْنَ.
[4] وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ يَكُوْنَ المَقْصُوْدُ أَيْضًا مَعَهُ صَلَاحٌ دِيْنِيٌّ، ولَكِنَّ الأَوَّلَ أَوْلَى وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيْمَا آَتَاهُمَا} يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الوِلَادَةِ مُبَاشَرَةً؛ وَلَيْسَ بَعْدَ النُّضْجِ.
[5] قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَحْقِيْقِ كِتَابِ (الإِيْمَانِ) (ص87) لِابْنِ سَلَّام رَحِمَهُ اللهُ: (وَالضَّمِيْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {جَعَلَا} إِنَّمَا يَعُوْدَ إِلَى اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى, بِذَلِكَ فَسَّرَهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيْرٍ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ عَنْهُ, وَهُوَ أَوْلَى مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الآيةُ كَمَا قَالَ الحَافِظُ ابْنْ كَثيرٍ فِي تَفْسِيْرِهِ).
[6] وَقَرِيْبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُوْنَنَّ مِنَ الصَّالِحِيْنَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُوْنَ} (التَّوْبَة:76).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 398
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست