responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 397
بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيْمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُوْنَ} (الأَعْرَاف:190).
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: (اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيْمِ كُلِّ اسْمٍ مُعَبَّدٍ لِغَيْرِ اللهِ; كَعَبْدِ عَمْرِوٍ وَعَبْدِ الكَعْبَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - حَاشَا عَبْدِ المُطَّلِبِ -). (1)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: (لَمَّا تَغَشَّاهَا آدَمُ; حَمَلَتْ، فَأَتَاهُمَا إِبْلِيْسُ، فَقَالَ: إِنِّي صَاحِبُكُمَا الَّذِيْ أَخْرَجَكُمَا مِنَ الجَنَّةِ، لَتُطِيْعَاني أَوْ لَأَجْعَلَنَّ لَهُ قَرْنَيْ إِيِّلٍ، فَيَخْرُجُ مِنْ بَطْنِكَ فَيَشُقُّهُ، وَلَأَفْعَلَنَّ - يُخَوِّفُهُمَا - سَمِّيَاهُ عَبْدَ الحَارِثِ. فَأَبَيَا أَنْ يُطِيْعَاهُ؛ فَخَرَجَ مَيِّتًا، ثُمَّ حَمَلَتْ فَأَتَاهُمَا، فَذَكَرَ لَهُمَا، فَأَدْرَكَهُمَا حُبُّ الوَلَدِ، فَسَمَّيَاهُ عَبْدَ الحَارِثِ; فَذَلِكَ قَوْلُهُ {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيْمَا آَتَاهُمَا}). رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. (2)
وَلَهُ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ عَنْ قَتَادَةَ؛ قَالَ: شُرَكَاءَ فِي طَاعَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي عِبَادَتِهِ. (3)
وَلَهُ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا} قَالَ: أَشْفَقَا أَلَّا يَكُوْنَ إِنْسَانًا [4]، وَذَكَرَ مَعْنَاهُ عَنْ الحَسَنِ [5] وَسَعِيْدٍ [6] وَغَيْرِهِمَا. (7)

فِيْهِ مَسَائِلُ:
الأُوْلَى: تَحْرِيْمُ كُلِّ اسْمٍ مُعَبَّدٍ لِغَيْرِ اللهِ.
الثَّانِيَةُ: تَفْسِيْرُ الآَيَةِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ هَذَا الشِّرْكَ فِي مُجَرَّدِ تَسْمِيَةٍ لَمْ تُقْصَدْ حَقِيْقَتُهَا.
الرَّابِعَةُ: أَنَّ هِبَةَ اللهِ لِلرَّجُلِ البِنْتَ السَّوِيَّةَ مِنَ النِّعَمِ.
الخَامِسَةُ: ذَكَرَ السَّلَفُ الفَرْقَ بَيْنَ الشِّرْكِ فِي الطَّاعَةِ وَالشِّرْكِ فِي العِبَادَةِ.

(1) مَرَاتِبُ الإِجْمَاعِ (ص154) لابْنِ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيِّ رَحِمَهُ اللهُ.
(2) تَفْسِيْرُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (8654).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (528/ 3) - فِي هَذَا الأَثَرِ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: (وَكَأَنَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَصْلُهُ مَأْخُوْذٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - كَمَا رَوَاهُ ابْن أَبِي حَاتِمٍ -: حَدَّثَنَا أَبِي؛ حَدَّثَنَا أَبُو الجُمَاهِرِ؛ حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ - يَعْنِي: ابْنَ بَشِيْرٍ - عَنْ عُقْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: (لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ أَتَاهَا الشَّيْطَانُ فَقَالَ لَهَا: أَتُطِيْعِيْنَنِي؛ وَيَسْلَمُ لَكِ وَلَدُكِ؟ سَمِّيْهِ عَبْدَ الحَارِثِ! فَلَمْ تَفْعَلْ، فَوَلَدَتْ؛ فَمَاتَ، ثُمَّ حَمَلَتْ، فَقَالَ لَهَا مِثْل ذَلِكَ، فَلَمْ تَفْعَلْ، ثُمَّ حَمَلَتِ الثَّالِثَةَ فَجَاءَهَا فَقَالَ: إِنْ تُطِيْعِيْنِي يَسْلَمُ؛ وَإِلَّا فَإِنَّهُ يَكُوْنُ بَهِيْمَةً، فَهَيَّبَهُمَا فَأَطَاعَا). وَهَذِهِ الآثَارُ يَظْهَر عَلَيْهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهَا مِنْ آثَارِ أَهْل الكِتَاب، وَقَدْ صَحَّ الحَدِيْثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْل الكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوْهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوْهُمْ).
ثُمَّ أَخْبَارُهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، فَمِنْهَا مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيْلُ مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُوْلِهِ، وَمِنْهَا مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ بِمَا دَلَّ عَلَى خِلَافِهِ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَسْكُوْتٌ عَنْهُ، فَهُوَ المَأْذُوْنُ فِي رِوَايَتِهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ وَلَا حَرَجَ) وَهُوَ الَّذِيْ لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُكَذَّبُ لِقَوْلِهِ (فَلَا تُصَدِّقُوْهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوْهُمْ). وَهَذَا الأَثَرُ هُوَ القِسْمُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثُ؟ فِيْهِ نَظَرٌ! فَأَمَّا مَنْ حَدَّثَ بِهِ مِنْ صَحَابِيٍّ أَوْ تَابِعِيٍّ؛ فَإِنَّهُ يَرَاهُ مِنَ القِسْم الثَّالِثِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَعَلَى مَذْهَبِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ الله فِي هَذَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ المُرَادُ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَإِنَّمَا المُرَادُ مِنْ ذَلِكَ المُشْرِكُوْنَ مِنْ ذُرِّيَّتهِ، وَلِهَذَا قَالَ الله: {فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُوْنَ} ثُمَّ قَالَ فَذَكَرَ آدَمَ وَحَوَّاءَ أَوَّلًا كَالتَّوْطِئَةِ لِمَا بَعْدَهُمَا مِنَ الوَالِدَيْنِ وَهُوَ كَالِاسْتِطْرَادِ مِنْ ذِكْر الشَّخْص إِلَى الجِنْس كَقَوْلِهِ {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيْحَ} الآيَةَ، وَمَعْلُوْمٌ أَنَّ المَصَابِيْحَ - وَهِيَ النُّجُوْمُ الَّتِيْ زُيِّنَتْ بِهَا السَّمَاءُ - لَيْسَتْ هِيَ الَّتِيْ يُرْمَى بِهَا، وَإِنَّمَا هَذَا اسْتِطْرَادٌ مِنْ شَخْصِ المَصَابِيْحِ إِلَى جِنْسِهَا، وَلِهَذَا نَظَائِرُ فِي القُرْآنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ).
قُلْتُ: وَأَيْضًا هَذَا الأَثَرُ جَاءَ مِنْ طَريْقٍ عَنِ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوْعًا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ (3077)، وَقَالَ فِيْهِ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ أَيْضًا (526/ 3): (وَالغَرَضُ: أَنَّ هَذَا الحَدِيْثَ مَعْلُوْلٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) - وَذَكَرَهَا رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ -، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الضَّعِيْفَةِ (342).
وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الفِصَلُ فِي المِلَلِ والأَهْوَاءِ والنِّحَلِ) (4/ 4): (وَهَذَا الَّذِيْ نَسَبُوْهُ إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ أَنَّهُ سَمَّى ابْنَهُ عَبْدَ الحَارِثِ - خُرَافَةٌ مَوْضُوْعَةٌ مَكْذُوبَةٌ مِنْ تَأْلِيْفِ مَنْ لَا دِيْنَ لَهُ وَلَا حَيَاءَ، لَمْ يَصِحَّ سَنَدُهَا قَطُّ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي المُشْرِكِيْنَ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَحَتَّى لَو صَحَّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي آدَمَ - وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَصْلًا - لَمَا كَانَتْ فِيْهِ لِلمُخَالِفِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ كَأَنْ يَكُوْنَ الشِّرْكُ أَو الشُّرَكَاءُ المَذْكُوْروْنَ فِي الآيَةِ حِينَئِذٍ عَلَى غَيْرِ الشِّرْكِ الَّذِيْ هُوَ الكُفْرُ؛ لَكِنْ بِمَعْنَى أَنَّهُمَا جَعَلَا معَ تَوَكُّلِهِمَا شِرْكَةً مِنْ حِفْظِهِ).
(3) تَفْسِيْرُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (8659)، وَتَفْسِيْرُ الطَّبَرِيِّ (312/ 13).
[4] تَفْسِيْرُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (8648).
[5] تَفْسِيْرُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (8650).
[6] تَفْسِيْرُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (8651).
(7) قُلْتُ: وَلَكِنْ قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (526/ 3): ((قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ؛ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ؛ عَنْ عَمْرٍو؛ عَنِ الحَسَنِ: {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيْمَا آتَاهُمَا} قَالَ: كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ أَهْلِ المِلَلِ، وَلَمْ يَكُنْ بِآدَمَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى؛ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ؛ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الحَسَنُ: عَنَى بِهَا ذَرِّيَّةَ آدَمَ - وَمَنْ أَشْرَكَ مِنْهُمْ بَعْدَهُ - يَعْنِي قَوْلَهُ {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيْمَا آتَاهُمَا}.
وَحَدَّثَنَا بِشْرٌ؛ حَدَّثَنَا يَزِيْدُ؛ حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ الحَسَنُ يَقُوْلُ: هُمُ اليَهُوْدُ وَالنَّصَارَى؛ رَزَقَهُمُ اللهُ أَوْلَادًا فَهَوَّدُوا وَنَصَّرُوا).
وَهَذِهِ أَسَانِيْدُ صَحِيْحَةٌ عَنِ الحَسَنِ رَحِمَهُ اللهُ؛ أَنَّهُ فَسَّرَ الآيَةَ بِذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ التَّفَاسِيْرِ وَأَوْلَى مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الآيَةُ - وَلَوْ كَانَ هَذَا الحَدِيْثُ عِنْدَهُ مَحْفُوْظًا عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا عَدَلَ عَنْهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ تَقْوَاهُ لِلَّهِ وَوَرَعُهُ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ مَوْقُوْفٌ عَلَى الصَّحَابِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَلَقَّاهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الكِتَابِ - مَنْ آمَنُ مِنْهُمْ - مِثْلِ: كَعْبٍ أَوْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَغَيْرِهِمَا - كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى - إِلَّا أَنَّنَا بَرِئْنَا مِنْ عُهْدَةِ المَرْفُوْعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 397
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست