ونؤمن بما أخبر الله به من وزن الأعمال، والله تعالى على كل شيء قدير، وفي حديث صاحب البطاقة الذي يأتي يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعين سِجِّلا، كل سِجِّل مد البصر، وكلها سيئات، فيُبهت فتُخرج له بطاقة فيها الشهادتان، فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة، قال: (فطاشت السجلات وثقلت البطاقة). [1] دليل على أن صحائف الأعمال توزن، ويستدل به على فضل التوحيد الخالص، فهذا لمِا اقترن بهذه الكلمة من الصدق والإخلاص والصفاء وحسن النية؛ إذ الكلمات والعبادات وإن اشتركت في الصورة الظاهرة؛ فإنها تتفاوت بحسب أحوال القلوب تفاوتا عظيما، لأجل ذلك كفّرت سيئاته، وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم كانوا يقولون: لا إله إلا الله، ولم يرجح قولهم على سيئاتهم كصاحب البطاقة. هذا ما وجَّه به شيخ الإسلام ابن تيمية، هذا الحديث [2] وأمثاله [3].
وقد دلت النصوص على أن الأعمال توزن، وصحف الأعمال توزن؛ بل والعامل يوزن كما في الحديث (أنَّ عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - كان يجتني سواكا من الأراك ـ وكان دقيق الساقين ـ فجعلت الريح تَكْفَؤُهُ، فضحك القوم منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده لهما أثقل [1] رواه أحمد 2/ 213، والترمذي (2639) ـ وقال: حسن غريب ـ، وصححه ابن حبان (225)، والحاكم 1/ 6 و 529 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. [2] مجموع الفتاوى 7/ 488 و 10/ 735، ومنهاج السنة 6/ 219. [3] كحديث: أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخره فشكر الله له فغفر له) رواه البخاري (652)، ومسلم (1914)، وحديثه - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (بينما كلب يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت مُوقَهَا فسقته فغفر لها به). رواه البخاري (3467)، ومسلم (2245).