فهذا غاية أجل التوبة في حق عمر الدنيا، أما غايته في حق كل إنسان فَبَيَّنهُ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» [1]، أي: ما لم تبلغ رُوْحُهُ حُلْقُومَهُ.
وعليه فإن الواجب على المؤمن أن يميز بين ما يَعْنيْه، وما لا يَعْنيْه، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» [2].
ومن صور اشتغال المرء بما لا يعنيه أن يديمَ البحث: متى الساعة؟ مع أنه غيب استأثر الله بعلمه، وإنما اشتغالُهُ بما يعنيه في هذا الباب أن يجتهدَ في الإعداد للساعة والتهيؤ لها، وبخاصة الساعة الخاصة به [3]؛ وهي لحظة موته؛ ولذلك لما سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا نبي الله متى الساعة؟ " لم يلتفت إلى سؤاله، وأرشده إلى الاشتغال بما يعنيه، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ ... " [4] الحديث. [1] رواه الأمام أحمد (9/ 17 - 18)، (6160)، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر. [2] أخرجه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الترمذي (2318)، وابن ماجه (3976)، وحسنه النووي -رحمه الله تعالى-. [3] وهي التي قال فيها -صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالأعمال ستًا" ذكر منها: "وَخُوَيصَةَ أحَدِكُم" أي: ساعة موته الخاصة به، وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، قالت: "كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم، فقال: إن يعش هذا، لم يدركه الهرم، قامت عليكم ساعتكم"، رواه مسلم (2952)، يعني يموت ذلك القرن، أو أولئك المخاطبون، وانظر: "فتح الباري" (10/ 556)، وراجع: بيان "الراغب" لمعاني الساعة، ص (18 - 20). [4] رواه البخاري (6167)، (10/ 553)، ومسلم (2639)، (163).