موضوعه: يبحث في تقرير توحيد الرب جل وعلا، قرره يعني: بينه على وجه صحيح، لأنه كما مضى وكما سيأتي أن التوحيد هذا اللفظ قد يسلم به المخالف يقول: نعم من الدين ما هو توحيد بل الدين هو التوحيد، ثم ينازع في هذا المفهوم، وسبق معنا أيضًا أن هذا من الحقائق الشرعية، فجاء اللفظ في الكتاب جاء اللفظ في السنة كما في حديث جابر: فأهل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد. وسيأتي معنا «فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يعبدوا الله». وفي رواية: «إلى أن يوحدوا الله»، فجاء بالفعل. حينئذٍ اللفظ جاء في الشرع، وإذا جاء اللفظ في الشرع سواء كان في كتاب أو سنة ولا يقدح فيه مجيئه في السنة دون الكتاب لأن الكتاب والسنة كل منهما مكمل للآخر، بل السنة مكملة للقرآن. فحينئذٍ إذا جاء هذا اللفظ فنثبته كما هو لأنه من معالم العقيدة، فإذا أثبتناه حينئذٍ نبحث عن معناه الشرعي، فإن وُجِدَ له معنى في الشرع أثبتناه ونفينا كل ما قد يكون من جهة المعنى اللغوي، ما قد يزاد على المعنى الشرعي، فإذا لم يكن له معنى شرعي حينئذٍ رجعنا إلى لسان العرب فعرفنا هذه أو إطلاق هذا اللفظ في استعمال العرب، فإن وُجِدَ له استعمال واحد أثبتناه، وإن وجد له عدة استعمالات حينئذٍ ولم يكن ثَمَّ تنافي بينها قلنا: اللفظ يُحمل على جميع المعاني.
هذه قاعدة مطردة في العقيدة، وفي الفقه، وفي كل ما يمكن أن يكون من اصطلاحات أهل العلم.
فالتوحيد له مفهوم شرعي وهو لفظ شرعي، المعتزلة لهم مفهوم في التوحيد، وكذلك القبورية من المتصوفة، والمتكلمين، المتكلمون من الأشاعرة والماتريدية ونحوهم لهم مفهوم خاص سيأتي بيانه في محله لأن هذه الشبه التي وجهها شيخ الإسلام ليست للمشركين وللأسف ليست للمشركين، هذا الكتاب رد على دعاة الفتن والسوء في ذلك الزمان، وهم أنصار الشرك، وهم من المنتسبين إلى الإسلام، فحينئذٍ لما انتسبوا إلى الإسلام نظرنا في عقائدهم فإذا بها على عقيدة الأشاعرة، والأشاعرة كما سيأتي أن مفهوم التوحيد عندهم منقوص يفسرون لا إله إلا الله بـ لا قادر على الاختراع إلا الله، فردوه إلى توحيد الربوبية، وهذا يقر به المشركون فلا فرق بينهم وبين المشركين الذين بُعِثَ فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بإقرارهم بهذا التوحيد.
إذًا نحتاج إلى ماذا؟ إلى قاعدة تأصل لنا ما هو التوحيد في فهم السلف الصالح؟ ماذا أراد الله تعالى بـ لا إله إلا الله؟
ماذا أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «إلا أن يوحدوا الله»؟.
لا بد أن نرجع إلى الكتاب والسنة فاحتاج المصنف قبل أن يبين الشبه التي تعلق بها المشركون آنذاك وردها، أراد أن يبين لنا أصلاً أصيلاً وركنًا متينًا وهو تقرير التوحيد على وجهه الصحيح. ولذلك دائمًا تلحظ أن المصنف رحمه الله تعالى في سائر رسائله لا بد من سطر أو سطرين يعرف به التوحيد، لأنه سينطلق من هذه الجملة، جعله أصلاً له، فإذا جعل مفهوم التوحيد الصحيح أصلاً له حينئذٍ صح الاعتماد عليه وطرده في جميع المواضع.