لأنه قد يُظَنّ بأن التوحيد هو اعتقاد أن الله واحدٌ، بمعنى أنك جعلت الله واحدًا، نقول: هذا ليس هو المراد، إلا إذا قيل بأن الجعل إنما يكون في القلب، فإذا قيل وَحَّدَ الله بمعنى أنه نسبه إلى الوحدانية، وَحَّدَ يُوَحِّدُ تَوْحِيدًا أي: جعله واحدًا، والمقصود من التفعيل نسبته كالتَّصديق لا للجعل، هكذا قال السَّفَّاريني في شرح منظومته، فمعنى وَحَّدتُ الله أي: نَسَبْتُهُ إلى الوحدانية لا جعلته واحدًا، لأن الوحدانية صفة لا بجعل جاعل، صفة مثل السمع والبصر لله عز وجل، أليس كذلك؟ عندنا نقول: {اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] يعني: متصفٌ بالوحدانية ذاتًا وصفاتٍ وأفعالاً، وكونه مألوهًا الله الواحد الأحد، هذا من أسمائه وصفاته، حينئذٍ إذا قلت: وحدت الله بمعنى ماذا؟ نسبته إلى الوحدانية لا بجعل جاعل لأن هذه صفة لله عز وجل، فليس لك يدٌ عليها، كما أن الخلق صفته، والسمع صفته، وكذلك استواؤه على العرش صفته، تعتقد هذا في قلبك، ثم كونه متصفًا بصفة الخلق هذا ليس لك فيه شيء، كونك تعتقد أنه منفردٌ بهذه الصفة إنما يكون في قلبك، فلا فرق بين الوحدانية والسمع والعلم والبصر من حيث النسبة، لأن الوحدانية صفةٌ لا بجعل جاعل، وأما التوحيد فهو فِعْل الْمُكَلَّف فِعْلُكَ أنتَ، أنت الذي تعبد الله عز وجل، أنت الذي تُفْرِدُهُ بالعبادة، أنت الذي تعتقد وحدانيته في صفة الخلق، وفي صفة الإحياء والإماتة، والملك، والنفع، والضُّرّ ونحو ذلك، هذا فعلك أنت، وأما الله جل وعلا فهو واحدٌ في ذاته وأسمائه وصفاته، وكونه مألوهًا مطاعًا جل وعلا، فهي مأخوذة من الوحدة وهي الإنفراد، تقول: جاء الرجل وحده أي: منفردًا، وفلان واحد دهري ولا واحد له أي لا نظير له، ويقال الله الواحد الأحد من أسمائه جل وعلا هذان الاسمان أي: المتفرد بالذات والصفات في عدم المثل والنظير، وأَحَّدَ الله وَوَحَّدَهُ أي: نسبه إلى الوحدة والإنفراد، فهو سبحانه منفردٌ في ذاته وصفاته وأفعاله وكونه مألوهًا، زد على ذلك هكذا يقولون في الكتب واحدٌ في ذاته وأسمائه وأفعاله، وكونه مألوهًا معبودًا، فالتوحيد هو جعل الشيء واحدًا، ولذلك لما قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قولوا لا إله إلا الله». قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]. أي: جعله في اعتقاده، فالتوحيد شرعًا هو اعتقاد أن الله واحدٌ لا شريك له، وبعبارةٍ أوضح وأوسع نقول: التوحيد هو إفراد الله تعالى في ربوبيته، وإفراده في أسمائه وصفاته، وإفراده في ألوهيته وعبادته. هذا تعريفٌ جامعٌ مانع، والعقيدة لا ينبغي أن نُنَزِّلَ التعاريف على قواعد المناطقة، نحن نسلك معهم ونسير في سيرهم في النحو وفي الصرف وفي الأصول، أما هنا فلا يشترط أن أتي بجامع مانع أو نأتي بمطرد .. إلى آخره، نقول: هذا لا ينبغي تطبيقه في مثل هذه المواضع.
وقيل (التوحيد) إفراد الله تعالى بحقوقه، وحقوق الله تعالى ثلاثة: في ربوبيته، وأسماءه وصفاته، وكونه مألوهًا معبودًا. حينئذٍ لما كان التوحيد مشتقًا من الوحدة وهي الإنفراد صار هذا القيد الذي هو الإفراد جنسًا في جميع أنواع التوحيد: