فتوحيد الربوبية لا يصح إلا باعتقاد الإفراد.
وتوحيد الأسماء والصفات لا يصح إلا باعتقاد الإفراد.
وكذلك العبادة لله عز وجل لا تصح إلا باعتقاد الإفراد.
فالتوحيد هو إفراد الله تعالى في جميع ما ذُكِر، ولا يكون سبحانه مُفْرَدًا بما ذُكِر في ربوبيته وأسمائه وصفاته إلا بأمرين يعني: متى يتحقق كونه منفردًا بربوبيته، متى يتحقق كونه منفردًا في كونه مألوهًا معبودًا مطاعًا نقول بأمرين:
أولاً: الإثبات التام.
الثاني: النفي العام.
وهذا مأخوذٌ من لسان العرب تقول: زيدٌ قائمٌ هذا فيه ماذا؟ في إثبات القيام لزيد لكن هل فيه نفيٌ للقيام عن غير زيد؟ لا، فالإثبات معه لا يمنع المشاركة، ولذلك نص أهل البلاغة في قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [البقرة: 163]. قالوا جاء بـ {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} لأنه قد لا يفهم التوحيد من قوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}. لماذا؟ لأن الإثبات المحض ليس فيه نفيٌ عام، ففيه إثبات بكون الرب جل وعلا مألوهًا لكن هل غيره تنفى عنه الصفة؟ نقول: إثبات محض لا يدل عليه. إذًا زيدٌ قائمٌ ليس في إفرادٌ لاحتمال أن يكون غيره قائمًا أيضًا، الله إلهٌ، لا يكفي، الله إلهٌ، الله خالقٌ لا يكفي، الله رازقٌ لا يكفي، لأن هذا فيه ماذا؟ في إثباتٌ تام بأن الله تعالى متصفٌ بصفة الخلق، لكن غيره؟ في جملة ليس فيها ما يدل على نفي هذه الصفة عن غير الرب جل وعلا، وأما قولك في لسان العرب: ما قائمٌ إلا زيدٌ. فهذا فيه نفيٌ وإثبات، [نفيٌ تام] [1] نفيٌ عام وإثباتٌ تام، فأثبتَ القيام لزيد ونفيتَه عما سواه، وبهذا جاء قوله: ((لا إله إلا الله))، لا معبود بحقٍ إلا الله، يعني: تُنفى الإلوهية عن غير الله وتُثبت له وحده جل وعلا، هذا مأخوذٌ من أين؟ من لسان العرب ((لا إله إلا الله)) ما قائمٌ إلا زيدٌ، فقد أفردته بإثبات القيام التام له ونفيك العام للقيام عن غيره، وكلمة التوحيد ((لا إله إلا الله)) اشتملت على نفيٍ عام وإثباتٍ تام، فنفت الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى وأثبتت الإلهية لله وحده، فالنفي العام أو النفي المحض ليس فيه موافقةً لمعنى ((لا إله إلا الله))، وكذلك الإثبات لو قال لا إله، وسكت هل أتى بمعنى ((لا إله إلا الله))؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنه نفى نفيًا عامًا فهذا تعطيل محض، وليس فيه إثبات الإلوهية لله عز وجل، ولو قال: الله إله. حينئذٍ نقول: لم ينفِ هذه الإلوهية عن غير الله، فالنفي المحض تعطيل محض، والإثبات المحض لا يمنع من مشاركة الغير في تلك الصفات. ولذلك قال هنا: أن التوحيد هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، وهذا أحد نوعي التقسيم على التقسيم الثنائي، وهو النوع الثاني توحيد القصد والطلب - وهذا يأتي إن شاء الله معنا - لا بد من تأصيل المسألة لأننا ذكرنا أن المقدمة ذكر فيها أصول، هذه أصول سنذكرها على جهة البسط، وأما الشبه هذه سنقرئها ونفهمها على مراد المصنف رحمه الله تعالى، لذلك نقف على هذا، والله أعلم.
وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه. [1] سبق.