نقد موقف أبي حامد الغزالي من الكشف والإلهام
1 - لقد غلا أبو حامد الغزالي في إثبات حجية "الكشف" و"الإلهام" حتى قال في "مشكاة الأنوار" -وبئس ما قال-: "فى الأولياء من يكاد يشرق نوره حتى يكاد يستغني عن مدد الأنبياء" [1].
بل بلغ اغترار بعض الصوفية بالكشف إلى حد قول بعضهم: "خُضْنا بحرًا، وقف الأنبياء بساحله".
ومما يستنكر على الغزالي -سامحه الله- قوله: "الأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر، وفاض على صدورهم النور، لا بالتعلُّم والدراسة، والكتابة للكتب، بل بالزهد في الدنيا، والتبري من علائقها، وتفريغ القلب من شواغلها، والإقبال بكنه الهمة على الله -تعالى-.
ثم قال: فمن كان حاله كذلك، فإنه يخلو بنفسه في زاوية مع الاقتصار على الفرائض والرواتب". اهـ [2].
ولا شك أن جمعه -في مثل هذا السياق- بين الأنبياء والأولياء [3] أمر مرفوض بالكلية، إذ لا يُقاس الأولياء على الأنبياء للافتراق بينهما في علة إرسال الرسل، وفي تلقيهم الوحي المعصوم، وفي غير ذلك، أضف إلى ذلك أن إرشاده مَن وصل إلى تلك الحال إلى أن يخلو بنفسه في زاوية مع الاقتصار على
(1) "مشكاة الأنوار" ص (45)، ضمن مجموعة "القصور العوالي"، ونقول تعقيبًا على هذا الضلال المبين: "لماذا إذن بكى الصحابة -رضي اللهُ عنهم- لانقطاع الوحي بوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! "، وانظر ص (164، 165).
(2) "الإحياء" (1/ 18 - 20)، وانظر: "كيمياء السعادة" ص (88). [3] وله في الجمع بين الأنبياء والأولياء كلام شنيع يلزم منه انتقاص مرتبة النبوة، كما في "فيصل التفرقة" ص (130)، و"ميزان العمل" ص (75)، وغيرهما.