الفرائض والرواتب فيه انحراف عن هَدْي مَن هديُه خير الهدي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه السلبية فيها هدم لأركان الدين، من الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو فعل الصحابة -رضي الله عنهم- ذلك لما فتحوا الفتوح، ولا نشروا الإسلام، ولا تعلموا الوحيين، ولا علَّموا الناس.
2 - وادعى الغزالي أن "فكر المريد يتفرق بقراءة القرآن، وبالتأمُّل في كتب التفسير والحديث وغيرهما" [1].
وهذا الكلام النحس، والمذهب الشؤم، والرأي المظلم أوقعه فيه بُعده عن منهج أهل السنة والحديث، وهو الذي دفع الإمام ابن الجوزي إلى أن يعلق عليه قائلًا: "عزيز عليَّ أن يصدر هذا الكلام من فقيه، فإنه لا يخفى قبحه، فإنه على الحقيقة طيٌّ لبساط الشريعة التي حثت على تلاوة القرآن وطلب العلم" [2].اهـ.
3 - ويرشد الغزالي المريد الذي يريد أن يجمع قلبه إلى أن يجتهد حتى لا يخطر بباله شيء سوى الله -تعالى-، وتكون غايته -في حَلِّه وتَرْحَاله- تحصيلَ مرتبة الكشف والإلهام، كما فتحها على الأنبياء والأولياء.
والجواب: أن هذا التعبد بقصد الاطلاع على العوالم المغيبة، وحصول الكشف والإلهام وما أشبه ذلك [3] مما ينافي الإخلاص، ويُكَدِّر صفاءه، لأن العابد هنا جعل العبادة وسيلة إلى ما لم تقره الشريعة، بجانب أن التعبد بهذا القصد يضعف الإخلاص في حالة عدم حصول مراده، وربما أعرض عن العبادة.
وحين كان رسول الله -صلى اللَّه عليه وسلم- يتعبد لله في غار حراء، لم يكن يطلب كشفًا ولا إلهامًا، ولا شيئًا ينزل عليه من السماء، ولم يخطر له ذلك [1] انظر: "الإحياء" (3/ 19، 20)، (2/ 66). [2] وله في الجمع بين الأنبياء والأولياء كلام شنيع يلزم منه انتقاص مرتبة النبوة، كما في "فيصل التفرقة" ص (130)، و"ميزان العمل" ص (75)، وغيرهما. [3] كالاطلاع على عالم الأرواح، ورؤية الملائكة، وحصول خوارق للعادات.