3 - الأمور الدنيوية المحضة: ونعني: بها الأنشطة البشرية التي لا علاقة لها في ذاتها بالهدى والضلال، والتي اقتضت حكمة الله تعالى أن تعتمد على سعي الإنسان وخبرته كي يحقق بنفسه معنى استخلافه في الأرض واستعماره فيها، وذلك كالضرب في الأرض لاكتشاف أسرار الكون أو ما يسمى (خواص المادة)، واستخدامها لترقية الحياة البشرية وتذليل صعابها، وكسائر الأعمال والمسائل التطبيقية التي تخضع للتجربة البشرية، ويمكنها معرفتها بالتنقيب عن نواميس الكون المسماة (القوانين الطبيعية) مثل شئون الزراعة والصناعة والعمارة وكل مظاهر الحياة المادية (1)
وهذه موكولة بكاملها إلى الجهد البشري، إلا أنها بوقوعها في دائرة الحياة البشرية تخضع للغاية الأساسية من الوجود (العبادة)، من جهة أنها جزء من الحركة الإنسانية التي ينبغى أن تكون كلها لله وحده لا شريك له، فهي بصفة عامة مندرجة تحت (المباح) الذي هو أحد الأحكام التعبدية الخمسة، ولكن الأحكام الأخرى (الوجوب) الندب، الحرمة، الكراهية) قد تسرى عليها إما لغرض الاستخدام أو كيفيته، وبالجملة فهي سلاح يستخدمه الشرطي كما يستخدمه اللص، لكن المؤمن يستخدمها باعتباره الشرطي الحارس لحدود الله تعالى.
وبما أنه ليس في الحياة البشرية شيء يبقى بعد هذه الأقسام أو يخرج عنها، فلم يعد هنالك ما يبرر أية شبهة حول إسلام الحياة كلها لله خالصة له وحده، مستقيمة على حكمه وشرعه.
(1) انظر قبسات من الرسول: الفصل الأخير، وتهافت العلمانية: (14، 15) ومنهاج الإسلام في الحكم: (38، 39).