ثانياً - الشرك في عبادة الله:
كما أن هذا الدين يوحد الخالق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى برد الأمر كله إليه، فإنه يوحد المخلوق بجعله عبداً خالصاً لله تعالى، لا تتجاذبه الشركاء ولا تمزقه السبل.
إن الوحدة هي الحقيقة الكبرى في الكون: فالخالق تعالى واحد، والكون بسننه ونواميسه واحد، والإنسان في جوهره وغاية وجوده واحد.
والكون بكامله يتجه إلى الله اتجاهاً واحداً بالعبادة: ((وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً)) [آل عمران:83] وكذلك ينبغي للمخلوق الاختياري (الإنسان) أن يتجه، وإلا فالتصادم والتمزق والضياع.
لقد اختصر ألفرد رودلف وايت هيد نظرية غوته وشبنجلر الضخمة عن انهيار الغرب في كلمة واحدة: (تجزئة الطبيعة) [1] أي افتعال التصادم بين ما هو فطري وما هو منطقي، وما هو طبيعي وما هو غير طبيعي، ما هو روحي وما هو مادي ... واختصرت الوجودية مأساة الإنسان في كلمة واحدة أيضاً (التمزق) بين الأنا والعالم، بين الطبيعي وما فوق الطبيعي، بين الشعور والمنطق.
والظروف والملابسات التي عرضناها بتوسع فيما سبق هي المسئولة عن تقسيم حياة الناس والإنسان في الغرب إلى دوائر مستقلة لا علاقة لإحداها بالأخرى، ومن ثم جاء دور الانهيار المحتوم.
هنا تتجلى رحمة الله تعالى بعباده حين منحهم الإسلام التصور الصحيح الذي "يخاطب الكينونة الإنسانية بكل جوانبها وبكل أشواقها وبكل حاجاتها وبكل اتجاهاتها، يردها إلى جهة واحدة تتعامل معها، [1] انظر سقوط الحضارة - كولن ولسن: (130).