((ولا يسعني ختم ملاحظاتي على سير المحاكم الشرعية في العام الماضي بغير أن أتكلم عن وفاة مفتي الديار المصرية الجليل المرحوم الشيخ محمد عبده في شهر يوليه الفائت، وأن أبدي أسفي الشديد على الخسارة التي أصابت هذه النظارة بفقده ... )).
إلى أن يقول: ((وفوق ذلك فقد قام لنا بخدمة جزيلة لا تقدر في مجلس شورى القوانين في معظم ما أحدثناه أخيراً من الإصلاحات المتعلقة بالمواد الجنائية وغيرها من الإصلاحات القضائية، إذ كان يشرح للمجلس آراء النظارة ونياتها، ويناضل عنها، ويبحث عن حل يرضي الفريقين كلما اقتضى الحال ذلك (!) وإنه ليصعب تعويض ما خسرناه بموته نظراً لسمو مداركه وسعة إطلاعه وميله لكل ضروب الإصلاح والخبرة الخصوصية التي اكتسبها أثناء توظفه في محكمة الاستئناف وسياحاته إلى مدن أوروبا (!) ومعاهد العلم ... )) [1].
وقد يكون أخطر آثار محمد عبده التي تعد ركيزة من ركائز العلمانية في العالم الإسلامي إضعاف مفهوم البراء والولاء، ودار الحرب ودار الإسلام إذ كان الشيخ أعظم من اجترأ عليه من المنتسبين للعلماء، لا بتعاونه مع الحكومة الإنجليزية الكافرة فحسب، ولكن بدعوته الصريحة إلى موالاة الإنجليز وغيرهم - بحجة أن التعاون مع الكفار ليس محرماً من كل وجه - ودعوته إلى التقريب بين الأديان.
حقيقة أن الرأي العام الإسلامي قد ثار على بعض فتاوى الشيخ التي أباح بها موالاة الكفار، ولكن تأثيرها في الأمة لا شك فيه، [1] الفكر الإسلامي: (25).