وقال ابن كثير في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} كقوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} وكقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} أي قدر قدرا وهدى الخلائق إليه، ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها، وردوا بهذه الآية وبما شاكلها من الآيات وما ورد في معناها من الأحاديث الثابتات على الفرقة القدرية الذين نبعوا في أواخر عصر الصحابة. انتهى.
ومما ذكرته من الأحاديث في هذا التنبيه يعلم أن المفسرين لم يغلطوا ولم يخطئوا في تفسير قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} حيث قالوا: إنها نزلت في إثبات القدر السابق والوعيد الشديد للقدرية، ومن زعم أنهم قد غلطوا وأخطئوا فهو الغالط المخطئ في الحقيقة، وما أبشع القول الذي يتضمن تغليط أبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، وما أسوأ القول الذي يتضمن تخطئتهم.
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وهل يظن الذي يغلطهم ويخطئهم أنه أعلم بكتاب الله من أبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، أو أنه أعلم من الإمام أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم من الأئمة الذين خرجوا أحاديثهم واعتمدوا عليها، أو أنه أعلم بالتفسير من محمد بن كعب القرظي وابن جرير الطبري والبغوي وابن الجوزي وابن كثير وأمثالهم من الأئمة المعروفين بالتقدم في علم التفسير، كلا فليس المتخرصون مثل الجهابذة الحفاظ، ولا شك أن ما جاء عن هؤلاء الأئمة في