اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 394
فهذا مَثَلٌ، يقال لمن يزعم زَعَماتٍ، ويصحّ غيرُها، فلمّا صحّ خِلافُ قوله قيل: "هذا ولا زعماتِك" أي: هذا هو الحقُّ، ولا أتوهّمُ زعماتِك، أي: ما زعمتَه. والزعْمُ قولٌ عن اعتقاد، ولا يجوز ظهورُ هذا العامل الذي هو"أتوهّم" وشِبْهُه، لأنّه جرى مَثَلًا، والأمثالُ لا تُغيَّر، وظهورُ عامله ضربٌ من التغيير.
وقالوا: "كِلَيْهما وتَمْرًا"، ويُروى: كلاهما وتمرًا، وكثُر ذلك في كلامهم حتى جرى مَثَلًا، وأصله أنّ إنسانَا خُيّر بين شيئَيْن، فطَلَبَهما المخيَّرُ جميعًا وزيادةً عليهما. فمَن نصب فبإضمارِ فعل، كأنّه قال: "أعطني كليهما وتمرًا" ومَن رفع كليهما فبالابتداء، والخبرُ محذوف كأنّه قال: "كلاهما لي ثابتٌ وزِدْني تمرًا" والنصبُ أكثر.
وقالوا في مَثَل: "كل شيء ولا شَتِيمَةَ حُرّ"، ويُروى بنصبهما جميعًا، وبرفعِ الأول ونصب الثاني. فَمن نصبهما فبإضمارِ فعلَيْن، كأنّه قال: "إِيتِ كلَّ شيء، ولا ترتكِبْ شتيمة حرّ". ومَن رفع الأولَ فبالابتداء، كأنّه قال: "كلُّ شيء أَمَمٌ، ولا تَشْتِمَنْ حُرًّا"، أي: كلُّ شيء محتَملٌ، ولا تشتمن حرًّا، ومثلُه "كلَّ شيء ولا هذا"، أي: إِيتِ كلَّ شيء ولا هذا. ولم تظهر الأفعالُ في هذه الأشياء كلها لأنّها أمثال.
* * *
قال صاحب الكتاب: "ومنه قولهم انته أمراً قاصداً لأنه لما قال انته علم أنه محمول على أمر يخالف المنهي عنه قال الله تعالى: {انتهوا خيراً لكم} [1]. ويقولون حسبك خيراً لك، و"وراءك أوسع لك" [2] , ومنه "من أنت زيدًا"؟ أي: تذكر زيدًا, أو ذاكرًا زيدًا"؟
* * *
قال الشارح: أمّا قولهم: "انتهِ أمرًا قاصدًا"، فإنّ "أمرًا" منصوبٌ بفعل مضمر تقديرُه: انته، وائْتِ أمرًا قاصدًا. فلمّا قال: "انته"، عُلم أنّه محمولٌ على أمر يخالف المنهي عنه, لأن النهْي عن الشيء أمرٌ بضِدّه، إلّا أنّه ها هنا يجوز لك إظهارُ الفعل العامل، لأنّه لم يكثُر استعمالُه كثرةَ الأول.
= أتوهّم، وهو مضاف، والهاء: ضمير متصل مبني في محلّ جرّ مضاف إليه. "لعتبة": جار ومجرور متعلّقان بحال محذوفة من "خَطا". "خطَّا": مفعول مطلق منصوب بالفتحة. "لم": حرف جزم ونفي وقلب. "تطبّق": فعل مضارع مجزوم بالسكون. "مفاصلُه": فاعل "تطبق" مرفوع بالضمّة، وهو مضاف، والهاء: ضمير متصل مبني في محل جرّ مضاف إليه.
وجملة "خطّ": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "ولا زعماته": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "لم تطبق": في محلّ نصب صفة لـ"خَطّا".
والشاهد فيه قوله: "ولا زعماته" حيث نصب "زعماته" بفعل محذوف، ولا يجوز إظهاره. [1] النساء:171. [2] ورد هذا المثل في الفاخر ص 301؛ ومجمع الأمثال 2/ 370.
اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 394