وإذا كان الصبي الذي يوجد فيه نوع تمييز موجبًا للولاية، فمن باب أولى أن يوجبها الجنون الذي لا تمييز فيه.
وهذه الولاية الشرعية على الصبي والمجنون تعتبر دليلاً واضحًا على سمو منهج الشريعة الإسلامية، ويسر أحكامها، لأن كلاً من الصبي والمجنون لو قيل باعتبار إذنهما لأدى ذلك إلى حصول الضرر والغبن لهما في الجراحة التي يأذنان بفعلها [1].
ولو قيل إنه لا يجوز لهما أن يأذنا ولا يجوز لغيرهما أن يأذن عنهما لكونهما ليسا من أهل الإذن، ولابد من انتظار البلوغ والإفاقة لأدى ذلك إلى حصول الضرر والمشقة بهما، وقد يهلكان بالمرض الجراحي قبل البلوغ والإفاقة.
فكان اعتبار الولاية منهجًا وسطًا موجبًا لحصول المصالح، ودفع المفاسد المترتبة على عدمها.
(2) ترتيب الأولياء:
تعتبر قرابة المريض أحق الناس بالإذن بفعل الجراحة اللازمة لمريضهم، وذلك لما جبلهم الله عز وجل عليه من العاطفة الصادقة التي توجب الحرص الشديد على نفع القريب، ودفع الضرر عنه، لذلك فإنه يغلب على الظن قيامهم برعاية مصلحة المريض بالإذن أو عدمه.
وقرابة المريض تختلف مراتبهم، ودرجاتهم من حيث القرب، [1] لأن كلا من الصبي والمجنون جاهل بمصلحة نفسه ومضرتها، فقد يأذن بفعل جراحة على وجه يوجب الضرر به كان يأذن بقلع ضرسه أو ختانه في زمن يلحقه الضرر بالقلع والختن فيه.