وذلك ذهاب منه إلى أن المراد من الموجبة للوضوء؛ التقاء البشرتين مطلقًا.
ولا خفاء بما في هذا اللفظ من الإيجاز والاختصار والاستدلال؛ وهكذا كانت ألفاظهم رضي اللَّه عنهم لإشراق أنوار النبوة عليهم.
وقوله: "فعليه الوضوء": أبلغ من قوله: فليتوضأ لأمرين:-
أحدهما:- أن "عليه" حرف جر يستدعى فعلًا قاصرًا؛ هي به من أجله لتوصله إلى المفعول؛ وهو حينئذ الوجوب. التقدير: فيجب عليه؛ فهو في هذا الجواب متعرض لذكر الواجب، بخلاف غيره.
والثاني:- أن قوله "فعليه" فيه إيذان بوجوب هذا الأمر من جهة العلو والقدرة.
والذي جاء في الرواية الثانية "وجسها" بواو العطف، وفي الأولي بـ "أو" فإنها مع الواو تفيد اشتراط القبلة والجس، في كونهما من الملامسة.
وأما مع "أو" فإنه يفيد أن كل واحد منهما من الملامسة والجس، وهو أبين وأوضح، لأنه يشير بذلك إلى أن كل واحد منهما على الانفراد؛ له حكم الملامسة وهو وجوب الوضوء.
ومع "الواو" وإن حصلت هذه الفائدة؛ إلا أنها مشوبة بتوهم يعرض من الجمعية؛ أن اجتماع القبلة والجس باليد هو الذي يوجب ما توجبه الملامسة، وهذا وهم بعيد وإن كان اللفظ يقتضيه.
والذي ذهب إليه الشافعي: أن لمس النساء يوجب الوضوء، بشهوة وبغير شهوة بأي موضع كان من البشرة، وبه قال عمر، وابن مسعود، وابن عمر، والزهري، وربيعة، وزيد بن أسلم، ومكحول، والأوزاعي.
وقال أبو حنيفة، وأصحابه: لا تنتقض الطهارة باللمس، وروي ذلك عن ابن عباس، وهو مذهب عطاء، وطاوس، والحسن والثوري.