الملامسة" فأدخل لفظةِ "منْ" لأمور ثلاثه:-
الأول: أن الملامسة فعل عام، وهو التقاء البشرتين من غير حاجز بأي، عضوٍ كان من البدن وبجميع البدن، فالقبلة نوع منها، لأنها مباشرة مخصوصة ببعض الأعضاء.
والثاني: أن اللمس والمس في أصل الوضع هو: الجَسُّ باليد، فلولا هذا التبيين لظن أن القبلة غير داخلة في حكم اللمس باليد؛ فقال: هي من الملامسة، أي حكمها وهي نازلة منزلتها.
والثالث: أن اللمس عند قوم: إنما أريد به الجماع دون المس باليد، فأخبر أن قبلة الرجل امرأته من جملة الجماع، لأنها من مقدماته ودواعيه، وهذا جائز في الاستعمال.
ولما جمع بين الجماع وبعضه؛ أعطاها بعض الحكم المترتب على الجماع وهو الوضوء؛ لأنه غسل بعض الأعضاء، كما أن الواجب في الجماع غسل جميع الأعضاء، ألا ترى أنه قال: فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء، فجعل القبلة والجس باليد في حكم واحد، وأنهما أمران مستويان في الحالة والحكم.
وقوله: "من الملامسة": كلام فيه إيجاز واختصار واستدلال وذلك أتى بلفظتين اكْتُفِيَ بهما عن ألفاظ كثيرة، لأنه في هذا المقام يريد أن يعرف الحكم في شأن القبلة؛ وما يتعلق بها من الوضوء أو تركه، فقال: من الملامسة، لعلمه بما قد ثبت في الشرع من حكم الملامسة؛ وأنهما موجبة للوضوء.
وهذا هو وجه الاستدلال؛ لأنه استدل بالملامسة على إلحاق القبلة بها.
والمراد بالملامسة قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [1] فأوجب في ملامسة النساء الوضوء، فألحق القبلة بها وبَيَّن أنها منها ليرتب عليها حكم الملامسة، [1] المائدة: [6].