ومعنى رواية مسلم: "ثم يصلون لا -أو ولا- يتوضئون" يريد: ثم يصلون لا يتوضئون أو ولا يتوضؤن، كأنه شك في إثبات الواو قبل "لا" وحذفها مع حذفها؛ ففيه زيادة تحقيق لعدم التوضؤ في هذه الحالة؛ كأنه جعل ذلك حالة لازمة لهم، وأنها داخلة في الجملة وليست جملة خارجة عن الأول، لأن واو العطف يؤذن بانفراد المعطوف عن المعطوف عليه، وهذا نوع من البلاغة لطيف، وباب من الفصاحة شريف، وهو أن يذكر القائل جملًا من القول كل واحدة منها مستقلة بمعنى؛ ثم يسردها متلاحقة بغير عاطف، وهي مع ذلك اخذة بعضها برقاب بعض، ومثله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [1].
و"إي": في قوله: "إي واللَّه" بمعنى نعم وبلى، وهي ابتداء يتقدم على القسم، والواو واو القسم، وهي نائبة عن حرفه الأصلي الذي هو الباء، لأن الباء هو الحرف الذي يوصل الفعل القاصر إلى المفعول فتعديه إليه، تقول: حلفتُ باللَّه، وأُقْسم باللَّه، ثم أبدلت من الباء الواو لقرب المخرج وصارت أولى من الأصل لكثرة الاستعمال.
"والسماع": مصدر سمعت الشيء أسمعه سمعًا وسماعًا، وسمعت إليه وسمعت له، وتسمعت واستمعت، كل ذلك بمعنى.
وقوله: "كان أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -" فرع من أنواع طرق لفظ الراوي وإيراده الحديث، وهو اخر مراتب الإيراد، وكذلك قول الصحابي: كنا نفعل كذا والمراد: أنهم كانوا يفعلون الشيء بمشهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ينكر عليهم ذلك، فهذا دليل الجواز، وهو حجة معمول به، فقد تقدم قبل هذا الحديث بيان ذلك أكثر إيضاحًا. [1] آل عمران: [118].