"ونبع الماء" ينبُع وينبَع نبوعًا إذا خرج، "والينبوع": عين الماء، والذي في الروايات ينبع من تحت أصابعه، وفي رواية الشافعي الواحدة بحذف "من" وهما في المعنى سواء، وقد جاء بهما القرآن العزيز، وإثباتها فيه أكثر كقوله تعالى {جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} [1] وقال في اية أخرى {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [2] وهذه "من" لابتداء الغاية، أي ابتداء نبوعه من ذلك المكان، وإذا حذفها لم يكن متعرضًا لابتداء النبوع، إنما أراد أن نبوع الماء كان تحت الأصابع.
وقوله: "فتوضأ من عند اخرهم"، يريد أنهم توضئوا جميعًا؛ ولم يبق منهم أحد حتى وصلوا إلى اخرهم.
وهذه "من" لابتداء الغاية، فكأنهم لما كملوا في الوضوء ولم يتخلف منهم أحد كانوا كأنهم ابتدأوا من اخرهم، فكأن الأول والاخر منهم سواء في الاكتفاء بالماء والوضوء منه؛ وأنه لا فرق بين الطرفين في الحالة، وأن الماء كان اخره مثل أوله ولم ينقص، حتى إن الأول الذي من شأن مثله في هذه الحال أن يتسابق إلى الوضوء لعلمه بقلة الماء وصغر الإناء؛ كي لا يفوته الوضوء إن أهمل المسابقة إليه، فكأنه ترك المسابقة إلى الماء والمبالغة عليه، كما يتركه إذا كان الماء كثيرًا غزيرًا؛ حتى يدع سَبْقَهُ للاخر فيقدمه عليه، وهذا من لطائف الألفاظ العربية، ودقائقها الشريفة.
وفي الرواية الأخرى: "فرأيته -بالهاء- نبع من أصابعه"، وبين نبع وينبع فرق دقيق.
أما "بين" فهو بمعنى وسط، تقول: جلست بين القوم، أي وسْطهم، ساكن السين وهو ظرف مكان لا يزال منصوبًا، فإن جعلته اسمًا رفعته وجررته، كقوله [1] التوبة: [100]. [2] البقرة [25].