الباء، لأن اتى يُؤْتِي متعدٍّ، وهذه الباء هي للملابسة والمخالطة، التقدير: أتاه حاملًا للماء وملتبسًا به، وقد جاء في معظم روايات هذا الحديث، "فوضع في ذلك الإناء يده"، وفي بعضها "فوضع يده في ذلك الإناء"، فأما من قدم حرف الجر على اليد، فلأن العناية في هذا المقام؛ كانت بذكر الإناء أشد، وبه أهم، لأن الغرض منه أن إناء صغيرًا يتوضأ منه خلقٌ كثيرٌ، مما تنصرف الهمم إلى الوقوف على كنه أمره؛ والعلم بعجيب حاله؛ فقدم في الذكر ما هو به أعنى، وعندهم أهم.
وأما من قدم اليد على الإناء، فإن الإناء وإن كان صغر حجمه وسعته لهذا الماء الكثير، عجبيًا غرييًا مُعْجِزًا فإن ورود الماء اليد من الأصابع، أكثر غرابة وأشد عجبًا, ولأن اليد هي الأصل في وجود الماء، وهي السبب في ظهوره، فالإعجاز فيها أكثر منه في القدح، فكان الابتداء بذكرها أولى، والاهتمام بتقديمها أعني.
وقوله: "أن يتوضأ" في موضع نصبٍ لأنه مفعول "أَمرَ" والأصل فيه أمر الناس أن تتوضأ، لأن فعل الأمر يتعدى إلى مفعول واحد وهو "الناس"، فاحتاج أن يجىء بحرف الجر؛ الذي هو الباء لتعديه إلى مفعول اخر، التقدير: أمر الناس بالوضوء، ولكنه لما كثر استعماله حذف حرف الجر وهو مراد، ومثله في العربية كثير.
وقوله: و"منه" يجوز أن تكون لابتداء الغاية أي يكون ابتداء وضوئهم من هذا الماء، ويجوز أن تكون للتبعيض، أي: أنهم توضئوا ببعضه لا بكله، وكلا الوجهين صحيح فصيح.