بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ [1].
قال ابن القيم -رحمه الله-: " وهذا الكلام يحتاج إلى شرح وتقييد، فالالتفات إلى الأسباب ضربان: أحدهما: شرك، والآخر: عبودية وتوحيد، فالشرك أن يعتمد عليها ويطمئن إليها، ويعتقد أنها بذاتها محصلة للمقصود، فهو معرض عن المسبِّب لها، ويجعل نظره والتفاته مقصورا عليها، وأما إن التفت إليها التفات امتثال وقيام بها وأداء لحق العبودية فيها وإنزالها منازلها فهذا الالتفات عبودية وتوحيد، إذا لم يشغله عن الالتفات إلى المسبِّب.
وأما محوها أن تكون أسبابا فقدح في العقل والحس والفطرة، فإن أعرض عنها بالكلية كان ذلك قدحا في الشرع وإبطالا له.
وحقيقة التوكل القيام بالأسباب، والاعتماد بالقلب على المسبِّب، واعتقاد أنها بيده، فإن شاء منعها اقتضاءها، وإن شاء جعلها مقتضية لضد أحكامها، وإن شاء أقام لها موانع وصوارف تعارض اقتضاءها وتدفعه" [2].
ثم قال -رحمه الله-: " فإذا جمعت بين هذا التوحيد وبين إثبات الأسباب استقام قلبك على السير إلى الله، ووضح لك الطريق الأعظم الذي مضى عليه جميع رسل الله وأنبيائه وأتباعهم، وهو الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم" [3].
إلى أن قال -رحمه الله-: " وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين هذين الأصلين في الحديث الصحيح حيث قال: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز» [4]، فأمره بالحرص على [1] يوسف: 67. [2] مدارج السالكين: 3/ 499. [3] المصدر السابق: 3/ 500. [4] صحيح مسلم، كتاب القدر، باب: في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله: 4/ 2052 برقم (2664).