الأسباب والاستعانة بالمسبِّب، ونهاه عن العجز، وهو نوعان: تقصير في الأسباب وعدم الحرص عليها، وتقصير في الاستعانة بالله وترك تجريدها، فالدين كله، ظاهره وباطنه، شرائعه وحقائقه تحت هذه الكلمات النبوية" [1].
ثم إن الإيمان بالقدر لا ينافي فعل الأسباب، وما سبق في علم الله وحكمه لا ينافي إثباتها، ولا يقتضي إسقاطها، قال ابن القيم -رحمه الله-: " وما سبق به علم الله وحكمه حق، وهو لا ينافي إثبات الأسباب ولا يقتضي إسقاطها، فإنه سبحانه قد علم وحكم أن كذا وكذا يحدث بسبب كذا وكذا، فسبق العلم والحكم بحصوله عن سببه، فإسقاط الأسباب خلاف موجب علمه وحكمه، فمن نظر إلى الحدوث بغير الأسباب لم يكن نظره وشهوده مطابقا للحق؛ بل كان شهوده غيبة ونظره عمى، فإذا كان علم الله قد سبق بحدوث الأشياء بأسبابها فكيف يشهد العبد الأمور بخلاف ما هي عليه في علمه وحكمه وخلقه وأمره" [2].
بل إن فعل الأسباب مما أمر به الشرع، وهو حاصل بالقدر، ولهذا لما توجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى الشام وعلم في أثناء الطريق أنه قد وقع فيها الطاعون، فاستشار الصحابة -رضي الله عنهم- هل يستمر ويمضي في سيره، أو يرجع إلى المدينة؟.
فاختلف الناس عليه، ثم استقر رأيهم على أن يرجع إلى المدينة، ولما عزم على ذلك جاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين،" كيف ترجع إلى المدينة؟ أفرارا من قدر الله"؟. فقال عمر -رضي الله عنه-: «نفر من قدر الله إلى قدر الله»، ثم بعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وكان متغيباً في بعض حاجته، فحدثهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن الطاعون: «إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه» [3].
ولما سُئل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أريت رقى نسترقيها، وأدوية نتداوى بها، وتقاة نتقيها، هل ترد من [1] مدارج السالكين: 3/ 501. وانظر: مجموع الفتاوى: 8/ 175، وشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن القيم، تحقيق: مصطفى أبو النصر الشلبي، مكتبة السوادي، جدة، ط2: 2/ 82. [2] المصدر السابق: 3/ 500. [3] صحيح البخاري، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون: 1123 برقم (5729)، وانظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 2/ 83 - 84.