اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 305
بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ [1].
وقديما ألمح الباقلاني إلى هذا الفعل في قوله تعالى: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ [2] فقد قال: «هل تقع في الحسن موقع قوله «ليأخذوه» كلمة، وهل تقوم مقامه في الجزالة لفظة، وهل يسدّ مسدّه، في الأصالة نكتة لو وضع موضع ذلك «ليقتلوه» أو «ليرجموه» أو «لينفوه» أو «ليطردوه» أو «ليهلكوه» أو «ليذلّوه»، ونحو هذا ما كان بديعا ولا بارعا ولا عجيبا ولا بالغا» [3].
وكان الباقلاني فهم أن هذا الفعل يدل على غاية العنف دون سائر أفعال الاجرام، ويدلّ على قوة الباطش وسهولة البطش، فالرسول لقمة سائغة، وكأنما تصوّر المفردة ضآلة حجمه، وضخامة حجومهم.
ومن هذا قوله تبارك وتعالى: حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً [4]، ويقول البوطي: «وأي تصوير لضئلة شأنهم ونسيانهم أنفسهم أبلغ وأروع من هذه الكلمة» [5].
فهنا يسند الفعل إلى الخالق الذي تنصاع له كل الكائنات، فيزداد عنفا وغموضا، ولا يستطيع الذهن أن يحيط بكل مساحة هذا الفعل، لأنه من عند الخالق ففيه الهول الأعظم، على الرغم من أن فعل «أخذ يأخذ» محدود الدلالة في استعمالنا.
وهنا يحضرنا قول «بختين» إن احتواء الكلمة لموضوعها فعل معقّد، ذلك أن أي موضوع مفترى عليه، ومختلف فيه، مضاء من جهة ومعتم عليه من جهة أخرى بالآراء الاجتماعية المختلفة وبكلمات الآخرين» [6].
وفي القرآن نجد أن الفعل «يذر» مع تصريفاته يرد إحدى وثلاثين مرة، وثلاث مرات منها تختصّ فيها بالخالق عزّ وجلّ، مع أن الدّلالة واحدة في [1] سورة الأعراف، الآية: 165. [2] سورة غافر، الآية: 5. [3] الباقلاني، أبو بكر، إعجاز القرآن، ص/ 197. [4] سورة الأنعام، الآية: 44. [5] البوطي، محمد سعيد رمضان، من روائع القرآن، ص/ 171. [6] بختين، ميخائيل، الكلمة في الرواية، تر: يوسف حلاق، ص/ 30.
اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 305