اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 306
المعجم، وهذا يؤكد السّياق الخاص لآيات القرآن الذي ينفي الترادف، إذ تصل بنا الآيات إلى دلائل متعددة لمادة واحدة، فنحن نقرأ قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [1] فالفعل «يذرون» يعني المغادرة والتّرك، إذ تقرّر الآية المدنيّة مسألة فقهية.
أما قوله تعالى: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ [2] فإنّ الكلام يعجز عن التعبير عن هول هذه المفردة وهالاتها الخاصة، نتيجة صدورها عن الخالق، وكذلك قوله تعالى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [3] وقوله: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [4] والآيات الثلاث هذه من السّور المكية، والأخيرتان منها من أوائل نزول الوحي المبارك.
ففي هذه الكلمة إثارة للتخيل تبعدها عن المعنى المعهود، وذلك لأنها تثير في الذّهن كيف تنفرد القوة المطلقة بما خلقت، وتبعث في النفس الرّهبة والإجلال، وخصوصا إذا أعربنا «وحيدا» حالا لضمير الياء.
ومن يطالع أبحاث محمد سعيد رمضان يقع على مادة وفيرة تدلّ على إحساسه الفني بدلالات المفردات، وذلك لا يقتصر على كتابه «من روائع القرآن» الذي تحدّث فيه عن البيان القرآني، فنحن الآن مع كتيّب في الدّعوة الإسلامية بعنوان «منهج تربوي فريد في القرآن» وقد تأمل الآية الكريمة: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما [5]، فمما يدل على أصالة فنية وتفرّد ذوقي قوله: «لو حذفت هذه الكلمة- عندك- من الآية، لاختفى منها أعظم عوامل التأثير فيها: إنها كلمة واحدة، ولكنها تفيض بشحنة هائلة من العواطف المثيرة، إذ هي تصوّر للمخاطب حالة والديه، وقد انتهينا من الضّعف والشيخوخة إلى أن غدا كلّ منهما يعيش في كنفه، وفي ظلال عطفه ورعايته بعد أن كان هو الذي يعيش في كنفهما، [1] سورة البقرة، الآية: 234. [2] سورة القلم، الآية: 44. [3] سورة المزمّل، الآية: 11. [4] سورة المدّثّر، الآية: 11. [5] سورة الإسراء، الآية: 23.
اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 306